الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر القصاص بين الأحرار والعبيد في النفس

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في القصاص بين الأحرار والعبيد في النفس .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : لا قصاص بينهما . روي عن عبد الله بن الزبير أنه لم يقد حرا بعبد .

                                                                                                                                                                              وهذا قول الحسن البصري ، وعطاء بن أبي رباح ، وعكرمة ، وعمرو بن دينار ، وعمر بن عبد العزيز . وروي ذلك عن أبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، والشعبي . [ ص: 49 ]

                                                                                                                                                                              9306 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد ، عن الحجاج ، أن عبد الله بن الزبير لم يقد حرا بعبد .

                                                                                                                                                                              9307 - حدثنا موسى قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بقتل العبد . وبه قال مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : القصاص بينهما ثابت في النفس . هذا قول سعيد بن المسيب ، والنخعي ، والشعبي ، وقتادة .

                                                                                                                                                                              وكان سفيان الثوري يقول : إن قتل عبده أو عبد غيره قتل به .

                                                                                                                                                                              هذه حكاية عبد الرزاق عنه ، وحكى عنه وكيع أنه قال : يقتل الرجل بعبد غيره ، ولا يقتل بعبده كما لو قتل ابنه لم يقتل به . وحكى أبو نعيم عن الثوري أنه قال : إذا قتل عبده عمدا قتل به ، وقال أصحاب الرأي : إذا قتل الحر المملوك عمدا ، فإن عليه القصاص .

                                                                                                                                                                              بلغنا ذلك عن علي . [ ص: 50 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فالذي روى الحديث عن علي : الحكم من حديث ليث بن أبي سليم ، وهو غير ثابت عنه وقد احتج بعض من يقول بهذا القول بظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المؤمنون تكافأ دماؤهم " ، فقال : هو مؤمن وهو مكافئ للحر . ولما قال في هذا الحديث : "ويسعى بذمتهم أدناهم" : فكانت هذه الكلمة حجة في جواز أمان العبد كانت حجة في أن بينهما القود ، لدخولهما في جملة قوله : "المؤمنون تكافأ دماؤهم" (لأن قوله "يسعى بذمتهم أدناهم" عطفا على قوله : "المؤمنون تكافأ دماؤهم" ) وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من قتل عبده قتلناه" وليس بثابت ذلك عنه .

                                                                                                                                                                              9308 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج بن منهال قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من قتل عبده قتلناه ، ومن جدع عبده جدعناه " . [ ص: 51 ]

                                                                                                                                                                              واحتج من خالف هذا فقال : لما أجمعوا على أن لا قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس ، كان القصاص في النفس كذلك ، لأنهم إذا أجمعوا على منع القليل كان منع الكثير أولى ، مع أن دماء المؤمنين محرمة إلا أن يبيحها كتاب أو سنة أو إجماع ، وقال الله - جل ذكره - : ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ) الآية .

                                                                                                                                                                              ولما أجمعت العلماء أن ذلك في الأحرار دون العبيد إذا الواجب على من قتل عبدا القيمة ، وعلى من قتل حرا الدية ، ففيما أجمعوا في ذلك دليل على أن معنى قوله : "المؤمنون تكافأ دماؤهم الأحرار دون العبيد" وقال الله جل ذكره : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) فمن الحق إذ لا يسفك دم قد أجمع على تحريم سفك دمه إلا بكتاب أو سنة أو إجماع .

                                                                                                                                                                              وأما قوله ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) فإنما كتب على أولئك ، ولو كانت الآية فينا ما وجب استعمال ظاهرها ، لأن الأخبار قد ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لا يقتل مؤمن بكافر " . ومنع عوام أهل العلم أن يقتل الرجل بابنه . [ ص: 52 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وكل من نحفظ عنه من أهل العلم يمنع أن يقتص للعبيد من الأحرار فيما دون النفس . كذلك قال مالك ، وأهل المدينة ، وبه قال الشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              9309 - وقد روينا عن الشعبي ، والنخعي ، والحسن أنهم قالوا : ليس بين المملوكين والأحرار قصاص فيما دون النفس . وكذلك قال الثوري .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية