الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر المرتد مرة بعد مرة

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن ارتد مرة بعد مرة .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : يستتاب ليس له حد ينتهي إليه ، هذا قول الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وابن القاسم صاحب مالك .

                                                                                                                                                                              قال الشافعي : وسواء كثر ذلك منه حتى يكون مرة بعد مرة أو مرارا أو أقل في حقن الدم ، وإيجاب حكم الإيمان له في الظاهر ، إلا أني أرى إن فعل هذا مرة بعد مرة أن يعزر ، وسواء كان هذا مولودا على الإسلام ثم ارتد عن الإسلام ، أو إن كان مشركا فأسلم ثم ارتد ، وسواء [ارتد] إلى يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو جحد أو تعطيل أو دين لا يظهره ، فمتى أظهر الإسلام في أي هذه الأحوال كان ، أو إلى أي هذه الأديان صار ، حقن دمه وحكم له حكم الإسلام .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي في الرجل يؤتى به وهو مرتد فقال قد تبت [ورجعت إلى الإسلام ، وأنا بريء] من كل دين إلا الإسلام . فإذا قال ذلك فقد تاب ورجع [يكف عنه ويخلى سبيله] فإن عاد بعد ذلك ورجع عن الإسلام استتابه أيضا ، فإن تاب ضربه وخلى سبيله ، [ ص: 525 ] فإن رجع أيضا عن الإسلام ، فأتي به ثالثا استتابه أيضا ، فإن لم يتب قتله ولا يؤجله ، وإن تاب ضربه ضربا وجيعا ، ولا يبلغ به الحد ثم يحبسه ، ولم يخرجه من السجن حتى يرى عليه خشوع التوبة ، ويرون من حاله حال إنسان قد أخلص ، فإن فعل ذلك خلى سبيله ، فإن عاد بعدما يخلى سبيله فعل به مثل ذلك ، فإن هو فعل ذلك مرارا فعل به مثل ذلك أبدا ما دام يرجع إلى الإسلام ، ولا يقتل إلا أن يأبى أن يسلم فيقتل .

                                                                                                                                                                              9673 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا مسدد ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الحجاج بن أرطأة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كتب عمرو بن العاص إلى عمر يسأل عن رجل أسلم ثم كفر ثم أسلم ثم كفر ، فعل ذلك مرارا أيقبل منه الإسلام ؟ فكتب إليه عمر : اقبل منهم ما قبل الله منهم ، اعرض عليه الإسلام فإن قبل وإلا فاضرب عنقه .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : يستتاب ثلاثا فإن ارتد الرابعة قتل ، هذا قول إسحاق ، قال : يستتاب ثلاثا ، فإن ارتد الرابعة لم يستتب عليه القتل حتما ، جاء عن عثمان وابن عمر على تأويل الكتاب ( آمنوا ثم كفروا ) الآية . [ ص: 526 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : والذي به أقول قول الشافعي ، وأحمد ، وليس بين أن يستتاب ثلاثا وأربعا فرق ، وحديث عثمان وابن عمر لا أحفظه غير أني رأيت جماعة من علماء الناس بالتفسير تأولوا الآية ، على غير ما تأولها عليه إسحاق .

                                                                                                                                                                              قال أبو العالية : هم اليهود والنصارى . وقال الضحاك : آمنوا بموسى ، ثم كفروا بعيسى ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد .

                                                                                                                                                                              وقال قتادة : هم اليهود والنصارى ، آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت ، وآمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت ، وكفرهم به تركهم إياه ، ثم ازدادوا كفرا بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                              وقال مجاهد في قوله : ( آمنوا ثم كفروا ) قال : هم المنافقون .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية