الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر القتيل يوجد في المحلة أو القرية مع فقد اللوث الذي يوجب القسامة

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في القتيل يوجد في القرية أو المحلة فيدعي أولياؤه على أهل المحلة أو على بعضهم ولا لوث معهم يوجب القسامة .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : لا قسامة في هذا ، وإنما يستحلف المدعى عليهم ، هذا قول مالك والشافعي . وقال أصحاب الرأي : يختار الولي من أهل المحلة أو القرية التي وجد القتيل بين أظهرهم خمسين رجلا يحلفون بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ، فإن لم يبلغوا خمسين كررت عليهم الأيمان حتى يحلفوا خمسين يمينا فإذا حلفوا غرموا الدية ، وكانت الدية على العاقلة ، ولا يقسم فيهم صبي ولا امرأة ولا عبد ، ودعوى المدعيين الخطأ والعمد في ذلك سواء . [ ص: 437 ]

                                                                                                                                                                              وكان سفيان الثوري يقول : إذا وجد القتيل في قرية به أثر كان عقله عليهم ، وإن لم يكن به أثر لم يكن على العاقلة شيء إلا أن تقوم البينة على أحد .

                                                                                                                                                                              قال الثوري : وهذا مما اجتمع عليه عندنا .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ثبتت الأخبار عن رسول الله أنه جعل البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه ، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتيل الذي وجد بخيبر من الأنصار القسامة .

                                                                                                                                                                              وقول أصحاب الرأي خارج من هذه السنن كلها ، فصار قولهم قولا خارجا عن السنن كلها ، ثم لم يرضوا بذلك حتى أباحوا مالا محظورا بكتاب الله وسنة نبيه ، وبالاتفاق ، بغير حجة يرجعون إليها ، قال الله عز وجل ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) ، وثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه قال : "دماؤكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا" ، ولم يختلف أهل العلم وأصحاب الرأي معهم أن من ادعى قبل جماعة أو واحد درهما أو أقل من درهم أو أكثر منه أن محرما أن يعطى إلا ببينة ، أو إقرار من المدعى عليه ، وإن الذي يجب أن يستحلف المدعى عليه إذا كان واحدا ، وإن كانوا جماعة استحلف كل واحد منهم يمينا واحدة ، وغير جائز أن يحكم في الدماء بخلاف هذا [ ص: 438 ] الحكم المجمع عليه بغير حجة يرجع من حكم بمثل ما ذكرنا إليها ، ثم صاحب هذه المقالة مع عظيم ما ركب من الخطأ والغفلة ، أخرج النساء من جملة أهل القرية والمحلة والعبيد بغير حجة يرجع أيضا إليها ، وكل ذلك يدل على ضعف هذا القول ، ثم إلزامهم العاقلة [فألزموه بغير حجة خطأ لأنهم أوجبوا على العاقلة مالا بغير بينة ثبتت عليهم ولا إقرار منهم به ، ثم أعجب من ذلك إلزامهم العاقلة] جناية عمد لا تثبت ببينة ولا بإقرار ، لأن الدعوى الذي ادعاه المدعي لو ثبتت بينة لم يلزم ذلك العاقلة ، فإذا كان ذلك لا يلزم العاقلة إذا ثبتت البينة فكيف يجوز أن يلزموه بغير بينة ، والخطأ محيط بهذا القول من كل وجه ، وهذا سبيل من شتى المسائل على غير الأصول ، وأكثر التحكم فيها بغير حجة مع أنهم قد خالفوا صاحبهم الذي كثيرا مما يدعون القول بما يجب من أجل قولة إبراهيم النخعي ، كان النخعي يقول : إذا وجد القتيل بين ظهري [القوم] فإن لم يأت أولياء المقتول بشاهدي عدل استحلف الذين وجد القتيل بينهم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولم يوجب عليهم شيئا . وقد روي عن عثمان بن عفان أنه قال في قتيل وجد في قوم فادعوا على قوم آخرين أنهم قتلوه فقال عثمان : أقيموا شاهدين ذوي عدل على قاتله فلم يجدوا شاهدين ، فاستحلف خمسين بالله ما قتلت ولا علمت قاتلا ، فحلفوا فلم يجعل عليهم الدية ، لأن القتل كان في غيرهم . [ ص: 439 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية