الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر سن الغرة التي يجب قبولها في الجنين ومبلغ قيمتها

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الغرة التي يجب قبولها في الجنين الذي سقط [ ص: 374 ] ميتا فقالت طائفة : قيمتها خمسون دينارا . وقال بعضهم : خمسمائة درهم .

                                                                                                                                                                              وقصد الفريقان فيما ذكرنا نصف عشر الدية .

                                                                                                                                                                              وروينا عن عمر بن الخطاب - بإسناد منقطع لا يثبت - أنه أقام الغرة خمسين دينارا . وهكذا قال قتادة ، وابن شبرمة ، وعبد العزيز بن أبي سلمة .

                                                                                                                                                                              وقال الشعبي ، خمسمائة درهم . وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك بن أنس : خمسون دينارا أو ستمائة درهم .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول : قيمة الغرة نصف عشر دية رجل مسلم ، وذلك العمد ، وعمد الخطأ : خمس من الإبل : خمساها وهو بعيران قيمة خلفتين أقل الخلفات ، وثلاثة أخماسها وهو قيمة ثلاث جذاع ، وحقاق نصفين من إبل عاقلة الجاني .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد وإسحاق : قيمتها نصف العشر من دية الأب وهو العشر من دية الأم . [ ص: 375 ]

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : على العاقلة أن يعطوا من أي جنس شاؤوا ولا يعطون خصيا وإن كان أكثر ثمنا ، ويعطون ابن سبع أو ثمان .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : غرة عبد أو أمة يعدل بخمسمائة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فقصد من ذكرت فيما قالوه نصف عشر الدية ، وإن اختلفت ألفاظهم ، لأن أهل المدينة يرون أن الدية من الفضة اثني عشر ألف درهم ، فكذلك جعلوا قيمة الغرة ستمائة درهم ، وأهل الكوفة يرون أن الدية من الفضة عشرة آلاف درهم ، فكذلك جعلوا عشرها خمسمائة درهم ، ولم يختلف أهل الكوفة وأهل المدينة أن الدية من الذهب ألف دينار ، فلذلك لم يختلفوا في أن على أهل الذهب خمسين دينارا . وقد روينا في قيمة الغرة أقاويل سوى ذلك : فمنهم من قال : قيمة الغرة أربعمائة درهم . روي هذا القول عن حبيب بن أبي ثابت وقال طاوس ومجاهد : الغرة عبد أو أمة أو فرس . وكذلك قال عروة بن الزبير .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولعل من حجة من قال بهذا القول حديث روي عن أبي هريرة . [ ص: 376 ]

                                                                                                                                                                              9605 - حدثنا [أبو] يعقوب يوسف بن موسى ، حدثنا علي بن خشرم قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد ، أو أمة ، أو فرس ، أو بغل .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وأنا أخشى أن يكون زيادة الفرس والبغل غلطا من عيسى بن يونس ، لأن حديث أبي هريرة قد رواه الحفاظ فلم يذكر أحد منهم في حديثه الفرس والبغل ، وقد غلط عيسى بن يونس في غير شيء ، ولو ثبتت هذه الزيادة التي قالها عيسى لوجب القول بها .

                                                                                                                                                                              وقال بعضهم : غرة عبد أو أمة أو مائة شاة .

                                                                                                                                                                              كذلك قال محمد بن سيرين . [ ص: 377 ]

                                                                                                                                                                              وروينا عن الشعبي ، أنه قال : قيمة الغرة مائة من الغنم .

                                                                                                                                                                              وكان الحسن البصري يقول : في الغرة عبد ، أو أمة ، أو عشرون ومائة من الشاة .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن عبد الملك بن مروان أنه قضى في الجنين إذا ملص بعشرين دينارا ، فإذا كان مضغة فأربعين ، فإذا كان عظما فستين ، وإذا كان العظم قد كسي لحما فثمانين ، فإن تم خلقه ونبت شعره فمائة دينار . قال : وبلغني أن عليا قضى بمثل ذلك . وقال قتادة : إذا كان مضغة فثلثي غرة ، وإن كانت علقة فثلث .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فأما مالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، والشافعي وكثير من أهل العلم ، فإنهم يقولون : إذا استبان خلقه وعلم أنه ولد وجبت فيه الغرة .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية