الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              جماع أبواب القصاص في النفس وفيما دون النفس

                                                                                                                                                                              ذكر التسوية بين دماء المؤمنين

                                                                                                                                                                              قال الله - جل ذكره - ( كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) وثبت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "المؤمنون تكافأ دماؤهم " .

                                                                                                                                                                              9300 - حدثنا يحيى بن محمد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن قيس بن عباد قال : انطلقت إلى علي أنا ورجل فقلت له : هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى أحد ؟ قال : لا ، إلا ما في قرابي هذا ، فأخرج كتابا فإذا فيه : "المؤمنون تكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم " .

                                                                                                                                                                              حدثني علي ، عن أبي عبيد قال : أما قوله : "تتكافأ دماؤهم" فإنه يريد تتساوى في القصاص والديات ، فليس لشريف على وضيع فضل من ذلك ، وأما قوله "يسعى بذمتهم أدناهم" : فإن الذمة الأمان ، يقول : إذا أعطى الرجل منهم العدو أمانا جاز ذلك على جميع [ ص: 43 ] المسلمين ليس لهم أن يخفروه ، كما أجاز عمر أمان عبد على جميع أهل العسكر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وأجمع أهل العلم على أن الحر يقاد به الحر ، وإن كان الجاني مقعدا أو أعمى أو أقطع اليدين والرجلين ، والمقتول صحيح سوي الخلق .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : "المؤمنون تكافأ دماؤهم" دليل على أن أهل الكتاب لا يكونوا أكفياء للمؤمنين في القود ، ولو قال قائل : إن ذلك يدل على أنهم لا يكونوا أكفياء للمؤمنين في الدية لكان لذلك وجه محتمل .

                                                                                                                                                                              وأجمع عوام أهل العلم على أن بين الرجل والمرأة القصاص في النفس إذا كان القتل عمدا إلا شيء اختلف فيه عن علي ، وعطاء ، وروي عن الحسن .

                                                                                                                                                                              وممن قال بأن بين المرأة والرجل القصاص في النفس : مالك بن أنس فيمن تبعه من أهل المدينة ، وسفيان الثوري فيمن وافقه من أهل العراق ، وكذلك قال الشافعي وأصحابه . وبه قال أحمد ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي . وحكي ذلك عن الأوزاعي ، وربيعة ، [ ص: 44 ] وابن أبي ليلى ، وعبد الله بن الحسن ، وقد ثبت أن عمر بن الخطاب أقاد رجلا بامرأة . وممن هذا مذهبه : النخعي ، والشعبي ، وعمر بن عبد العزيز ، والزهري .

                                                                                                                                                                              9301 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج قال : حدثنا حماد قال : أخبرنا الحجاج ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب : أن عمر بن الخطاب أقاد رجلا بامرأة .

                                                                                                                                                                              9302 - وقد روينا عن علي بن أبي طالب رواية - لا أحسبها تثبت - أنه قال في الرجل يقتل المرأة عمدا : إن شاؤوا قتلوه وأعطوا أهل المقتول نصف الدية ، وقال : وإن شاؤوا أن يأخذوا دية المرأة فعلوا ذلك ، رواية يونس ، عن الحسن ، عن علي .

                                                                                                                                                                              وقال الحسن البصري : لا يقتل الذكر بالأنثى حتى يؤدوا نصف الدية إلى أهله .

                                                                                                                                                                              واختلف فيه عن عطاء : فذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عنه أنه قال : والمرأة تقتل بالرجل ليس بينهما فضل ، وعمرو . [ ص: 45 ]

                                                                                                                                                                              وذكر يعلى ، عن عبد الملك ، عنه أنه قال : إن قتلوه [أدوا ] نصف الدية ، وإن شاؤوا قبلوا الدية .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : في قول النبي صلى الله عليه وسلم : "المؤمنون تكافأ دماؤهم" دليل على إثبات القصاص بين الرجال والنساء في النفس ، وفي حديث أنس بن مالك بيان ذلك وإثبات القصاص بينهما .

                                                                                                                                                                              9303 - حدثنا محمد بن مهل قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، أن رجلا من اليهود قتل جارية من الأنصار بالحجارة على حلي لها ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم بالحجارة حتى مات .

                                                                                                                                                                              9304 - حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا حجاج بن منهال قال : حدثنا همام قال : أخبرنا قتادة ، عن أنس بن مالك ، أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين ، فقيل لها : من فعل هذا بك : فلان أم فلان ؟ حتى سمي اليهودي ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بالحجارة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : هذا الحديث يدل على إثبات القصاص على من قتل ، أو جرح بغير حديد ، خلاف قول من قال : لا قود إلا ما كان بحديد . [ ص: 46 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقال بعض أهل الحديث : هذا الحديث يدل على أن لولي الصغيرة أن يقتص لها ، وإن كان لا منفعة للصغيرة فيه ، وإن كان أخذ الأرش أنفع لها ، وإذا كان كذلك ففيه دليل على أن لهم أن يعفوا عن القصاص الذي يجب للصغيرة على أرش يأخذوه ، لأن من كان إليه القصاص فله العفو على أرش يأخذه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وحديث علي غير ثابت ، لأنه مرسل ، وقد روينا عن علي خلاف ذلك وقد روينا عن الحسن خلاف تلك الرواية عنه ، وهو : أن القصاص بين الرجل والمرأة فيما كان من العمد إلى ثلث الدية .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فإذا دخلت هذه الأخبار من العلل ما ذكرناه من العلل صار وجوب القصاص بينهما كالإجماع ، مع السنن الثابتة المستغنى بها عما سواها .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد دل هذا الحديث على أن اعتراف الجاني مرة ، يوجب عليه القصاص . [ ص: 47 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية