الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر اختلاف أهل العلم في ديات أهل الكتاب

                                                                                                                                                                              افترق أهل العلم في دية اليهودي والنصراني ثلاث فرق : فقالت فرقة : دية الكتابي مثل دية المسلم . روي هذا القول عن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وابن مسعود ، ومعاوية بن أبي سفيان .

                                                                                                                                                                              9418 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن عبد الرزاق ، عن رباح بن عبيد الله ، قال : أخبرني حميد الطويل أنه سمع أنسا يقول : إن رجلا يهوديا قتل غيلة ، فقضى فيه عمر بن الخطاب باثني عشر ألف درهم .

                                                                                                                                                                              9419 - حدثنا أبو يحيى [بن أبي مسرة ] ، قال : حدثنا [المقرئ ] ، قال : حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب ، أن جعفر بن عبد الله بن الحكم أخبره : أن رفاعة بن شمول اليهودي قتل بالشام ، فجعل عمر بن الخطاب ديته ألف دينار .

                                                                                                                                                                              9420 - حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب ، قال : أخبرنا يعلى ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح وأبان بن صالح ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن مسعود قال : دية صاحب الذمة من أهل [ ص: 170 ] الكتاب مثل دية المؤمن ، اثني عشر ألفا .

                                                                                                                                                                              9421 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الذمة عمدا ، فرفع إلى عثمان فلم يقتله به ، وغلظ عليه الدية مثل دية المسلم .

                                                                                                                                                                              قال الزهري : وقتل خالد بن مهاجر رجلا من أهل الذمة في زمان معاوية فلم يقتله به ، وغلظ عليه الدية ألف دينار .

                                                                                                                                                                              9422 - حدثنا يحيى بن محمد ، قال : حدثنا أبو الربيع ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا يحيى ، عن سليمان بن يسار أنه كان يقول : دية المجوسي ثمانمائة ، ودية أهل الكتاب كعقل أهل ديتهم . قال : وكان معاوية يكمل الدية فيه ألف دينار ، فيأخذ خمسمائة فيجعلها في بيت المال ، ويعطي أهل الميت خمسمائة . [ ص: 171 ]

                                                                                                                                                                              وبه قال الشعبي ، والنخعي ، ومجاهد ، وعطاء ، وعلقمة . وقال الزهري ، كانت دية المجوسي [واليهودي ] والنصراني في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دية المسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان . وهذا قول سفيان الثوري والنعمان وأصحابه .

                                                                                                                                                                              وقالت فرقة : دية الكتابي نصف دية المسلم . روي هذا القول عن عمر بن عبد العزيز ، وعروة بن الزبير ، وعمرو بن شعيب . وبه قال مالك . وحكي ذلك عن ابن شبرمة ، وأحمد بن حنبل ، غير أن أحمد قال : وذلك إذا كان خطأ ، وإذا كان عامدا لم يقد به ، ويضاعف عليه اثني عشر ألفا .

                                                                                                                                                                              وقالت فرقة : دية الكتابي ثلث دية المسلم . روي هذا القول عن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان .

                                                                                                                                                                              9423 - حدثنا علي بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان ، قال : حدثنا أبو المقدام ثابت بن هرمز ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب ، أنه جعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف . [ ص: 172 ]

                                                                                                                                                                              9424 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب ، وقتادة ، وحميد ، عن الحسن ، عن عمر بن الخطاب أنه قال : دية النصراني واليهودي أربعة آلاف .

                                                                                                                                                                              9425 - حدثنا موسى ، قال : حدثنا أبو بكر : قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن صدقة بن يسار ، عن سعيد بن المسيب : أن عثمان بن عفان قضى في دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف .

                                                                                                                                                                              وبه قال عطاء ، وابن المسيب ، والحسن ، وعكرمة ، وعمرو بن دينار ، والشافعي ، وأبو ثور ، وإسحاق .

                                                                                                                                                                              وقد احتج بعض من قال بالقول الأول : بأن الله عز وجل ذكر المؤمن يقتل خطأ ، فأوجب فيه دية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة ، وقال : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ) فلما ذكر ما يجب في المقتولين ذكرا واحدا ، وأجمع أهل [ ص: 173 ] العلم أن الرقبة التي تجب في قتل المؤمن خطأ ، مثل الرقبة التي تجب في قتل من بيننا وبينهم ميثاق سواء لا فرق بينهما ، وليس مع من يقر بأن الرقبتين سواء ويفرق بين الديتين حجة والله أعلم . واحتج أحمد بحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده .

                                                                                                                                                                              9426 - أخبرنا محمد بن عبد الله ، قال : أخبرنا ابن نافع ، قال : أخبرنا ابن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "دية اليهودي والنصراني مثل نصف دية المسلم " .

                                                                                                                                                                              وقد احتج بعض من يقول بالقول الثالث بأن في قول النبي صلى الله عليه وسلم "المؤمنون تكافأ دماؤهم " . دليل على أن أهل الكتاب لا يكونون أكفياء للمؤمنين في عقل ولا قود ، واحتج بحديث رويناه عن عمرو بن حزم مرفوعا قال : "وفي النفس المؤمنة مائة من الإبل " . قال : وفي [ ص: 174 ] هذا دليل على أن غير المؤمنة ليست كالمؤمنة . وكان الشافعي يقول : يلزم الحكم بالأقل مما أجمع عليه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ويجعل الشافعي ما زاد على أقل ما قيل غير واجب الحكم به لاختلاف أهل العلم فيه .

                                                                                                                                                                              وقال آخر ممن يقول بالقول الأول : يحكم بظاهر القرآن ، فيوجب فيه مثل دية المسلم ولا يقتل به ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "المؤمنون تكافأ دماؤهم " ، فإذا قتل مسلم ذميا لم يقتل به ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "المؤمنون تكافأ دماؤهم " ، يلزم القاتل دية كاملة ، لظاهر الكتاب الذي لا يجوز تركه إلا لسنة أو إجماع ، وليس مع من خالف ظاهر الكتاب ، فأوجب شطر دية أو ثلث دية سنة ولا إجماع . قال : وقد يستوي المؤمنون والمعاهدون في كثير من أحكام الإسلام لا فرق بينهم وبين المسلمين في حد الزنا ، والقطع في السرقة ، وقد يقتل الرجل بالمرأة ، وتختلف ديتاهما ، فكذلك الذمي يكافئ المؤمن في الدية ولا يكافئه في القود ، وكما غلظ الله في قتل الذمي في الدية ، وفي تحرير رقبة جعل صيام الشهرين متتابعين لمن لا يجد السبيل إلى الرقبة ، وذلك حكمه في المؤمن سواء ، ولما أجمعوا أن على قاتل الذمي تحرير رقبة أو صيام شهرين إذ لم يجد الرقبة ، لأن الله سوى بينهما في حكم الكتاب ، فكذلك لا فرق بينهما في الدية ، وليس لأحد أن يفرق بين شيئين جمع بينهما الكتاب إلا بسنة ثابتة وإجماع . [ ص: 175 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية