الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر جناية المدبر

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في جناية المدبر .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : المدبر عبد ، وجنايته كجناية سائر العبيد . هذا قول الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور . [ ص: 407 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وبهذا نقول . وذلك للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه باع مدبرا .

                                                                                                                                                                              9614 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : أعتق أبو مذكور غلاما له يقال له : يعقوب القبطي عن دبر منه ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "أله مال غيره ؟ " قالوا : لا . قال : "من يشتريه مني ؟ " قال : فاشتراه نعيم بن النحام ختن عمر بن الخطاب بثمانمائة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أنفق على نفسك ، فإن كان لك فضل فعلى أهلك ، فإن كان فضل فعلى أقاربك ، وإن كان فضل فاقسم هاهنا وهاهنا وهاهنا" .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : جناية المدبر على مولاه .

                                                                                                                                                                              روينا هذا القول عن [ أبي] عبيدة بن الجراح ، وعمر بن عبد العزيز .

                                                                                                                                                                              9615 - حدثنا موسى ، حدثنا أبو بكر حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ذئب ، عن ابن لمحمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن السلولي ، عن معاذ بن جبل ، عن أبي عبيدة بن الجراح قال : جناية المدبر على مولاه .

                                                                                                                                                                              وبه قال النخعي ، وحماد بن أبي سليمان ، وسفيان الثوري ، قال الثوري : على مولاه يضمن قيمته ، وحكى الفريابي عن الثوري أنه [ ص: 408 ] سئل عن مدبر خرق ثوبا ، قال : هو دين عليه .

                                                                                                                                                                              روينا عن الشعبي أنه قال : جناية المدبر وأم الولد على عاقلة مواليهما .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي : إذا قتل المدبر رجلا خطأ فإن على مولاه قيمته يوم قتل مدبرا لأولياء القتيل ، ولا يكون على المدبر من ذلك شيء ، لأنه حال بينهم وبين العبد بالتدبير ، فإن جنى المدبر جناية فقتل رجلا آخر خطأ فإنهم يشتركون في تلك القيمة الأولى ، ولا يكون على المولى شيء بعد القيمة الأولى ، ودفعه القيمة الأولى بمنزلة دفعه العبد بالجناية .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث : قاله مالك ، قال مالك في المدبر : إذا جرح وله مال فأبى سيده أن يفديه أخذ المجروح مال المدبر في دية جرحه ، فإن كان فيه وفاء رجع المدبر إلى سيده ، وإن لم يكن فيه وفاء استعمل المدبر بما بقي له من جرحه ، وقال مالك في مدبر جرح رجلا فأسلم إليه فاستخدمه أياما ثم جرح رجلا آخر يتحاصان في خدمته ، وقال مالك في المدبر يقتل : لسيده قيمته [يوم] قتل .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : المدبر عبد ، أحكامه أحكام العبيد ، جرح أو جرح . [ ص: 409 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية