الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر القصاص في العظم

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في القصاص من العظم ، فقالت طائفة : ليس في العظم قصاص . روي هذا القول عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                              9559 - حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا حفص ، عن حجاج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس قال : ليس في العظام قصاص . [ ص: 302 ]

                                                                                                                                                                              وبه قال عمر بن عبد العزيز ، والنخعي ، وعطاء ، والزهري ، والحكم ، وبه قال ابن شبرمة ، والثوري ، والشافعي ، والنعمان ، وابن الحسن .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : وهو أن لا قصاص في عظم ما خلا الرأس . كذلك قال الحسن البصري ، والشعبي ، والنخعي . وقد ذكرنا عن الثوري والنعمان أنهما قالا : لا قصاص في عظم إلا السن .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : في العظم قصاص .

                                                                                                                                                                              قضى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم - وهو أمير المدينة - في رجل كسر فخذ رجل ، فأمر به فكسر فخذه . وفعل ذلك عبد العزيز بن عبد الله بن [خالد] بن أسيد بمكة في خلافة عمر بن عبد العزيز ، وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه فعل ذلك برجل دق ذراع رجل ، فدعا عمر الطبيب فدق ذراعه . وهذا قول مالك ، وذكر أن الأمر المجتمع عليه عندهم أن من كسر يدا أو رجلا عمدا أنه يقاد منه ولا يعقل ، قال : وهو أمر معمول به في بلادنا في الرجل يضرب الرجل فيتقيه بيده فيكسرها قال : يقاد منه . وقد حكي عن مالك أنه قال : كلما قدر على [ ص: 303 ] القصاص أقيد منه ، سنا كان أو عظما ، ولا قصاص في مأمومة ، ولا قود في كسر صلب ولا ظهر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : أما السن فالقصاص فيه يجب بالكتاب والسنة ، وقد ذكرت ذلك في باب ذكر القصاص من السن . وكل عظم لا يوصل إلى القصاص منه إلا بضرب قد يخطئ الضارب ويصيب ويزيد وينقص ، فلا قصاص فيه ، وقد اعتل الشافعي في تركه القصاص من العظم بمعنيين قال : أحدهما : أن دون عظمهما حائل من جلد ولحم وعرق وعصب ممنوع ، فلو استيقنا أن نكسر عظمه كما كسر عظمه ، لا نزيد عليه ولا ننقص فعلنا ، ولكنا لا نصل إلى العظم حتى ينال منه ما دونه مما وصفت ، مما لا يعرف قدره مما هو أكثر أو أقل مما نال من غيره .

                                                                                                                                                                              والثاني : أن لا نقدر أن يكون كسرا ككسر أبدا ، فهو ممنوع من الوجهين .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد روينا في هذا الباب حديثا مرفوعا من حديث نمران بن [جارية] عن أبيه أن رجلا ضرب رجلا بالسيف على ساعده فقطعها من غير مفصل ، فاستعدى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمر له بالدية . فقال : يا رسول الله ، أريد القصاص . قال : خذ الدية ، بارك الله لك فيها ، ولم يقض له بغيرها . [ ص: 304 ]

                                                                                                                                                                              9560 - حدثناه أبو محمد بن بوبة العطار ، حدثنا علي بن خشرم ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن [دهشم بن فران] عن نمران بن [جارية] ، عن أبيه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : [دهثم] مجهول ، ونمران وأبوه غير معروفين .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه قال : كل نافذة في عضو من الأعضاء ، ففيها ثلث عقل ذلك العضو ، وقد روي عنه أنه قال : كل نافذة في عظم ففيها ثلث ذلك - يعني العضو . [ ص: 305 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية