الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر الأعور يفقأ عين الصحيح

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الأعور يفقأ عين الصحيح : فقالت طائفة : لا قود عليه ، وعليه الدية كاملة . روي هذا القول عن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان .

                                                                                                                                                                              9469 - حدثنا أبو سعد ، قال : حدثنا حميد - هو ابن مسعدة - قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عبد ربه ، عن أبي عياض ، أن عثمان بن عفان قال في أعور فقأ عين صحيح : لا يستقاد منه ، عليه الدية كاملة .

                                                                                                                                                                              9470 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن محمد [عن ] أبي عياض ، أن عمر وعثمان اجتمعا على أن الأعور إن فقأ عين آخر ، فعليه مثل دية عينيه .

                                                                                                                                                                              وبه قال عطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن المسيب ، وأحمد بن حنبل . [ ص: 213 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : عليه القود على ظاهر قوله ( والعين بالعين ) .

                                                                                                                                                                              روي عن علي بن أبي طالب أنه قال : أقام الله القصاص في العين في كتابه ( والعين بالعين ) وقد علم هذا فعليه القصاص ، فإن الله لم يكن نسيا .

                                                                                                                                                                              9471 - حدثنا إسحاق ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، عن محمد ، عن أبي عياض ، أن عمر وعثمان اجتمعا على أن الأعور إن فقأ عين آخر فعليه مثل دية عينيه . وذكر أن عليا قال : أقام الله القصاص في العين في كتابه ( والعين بالعين ) .

                                                                                                                                                                              وقد علم هذا فعليه القصاص ، فإن الله لم يكن نسيا .

                                                                                                                                                                              وهذا قول مسروق ، والشعبي ، والنخعي ، وعبد الله بن معقل ، وابن سيرين ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، والنعمان .

                                                                                                                                                                              وحكي ذلك عن ابن شبرمة ، وعثمان البتي .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث : وهو أن المجني عليه إن شاء اقتص وأعطاه نصف الدية ، وإن شاء أخذ الدية كاملة .

                                                                                                                                                                              روي هذا القول عن علي رواية ثانية :

                                                                                                                                                                              9472 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن قتادة ، عن الحسن ، أن علي بن أبي طالب قال في أعور فقأ [ ص: 214 ] عين رجل صحيح العينين عمدا . قال : إن شاء اقتص منه وأعطى نصف الدية .

                                                                                                                                                                              وقال الحسن البصري ، والنخعي : إن شاء اقتص منه وأعطاه نصف الدية .

                                                                                                                                                                              وكان مالك يقول : إن شاء فقأ عين الأعور [فتركه أعمى ، وإن شاء أخذ الدية كاملة دية عين الأعور ] ، لأنه إنما يأخذ دية العين التي كانت ألف دينار .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : قال الله : ( والعين بالعين ) ، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم في العينين الدية ، ففي العين نصف الدية ، وفي العينين الدية ، والقصاص بين الأعور وصحيح العين كهو بين سائر الناس ، لا فضل لعين على عين على ظاهر كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو كانت العيون تفاضل في الديات والقصاص ، لكان ذلك موجودا في الأخبار عن رسول الله ، لأنه المبين عن الله - معنى ما أراد من الخصوص والعموم - وقد أجمع أهل العلم أن القصاص بين المسلمين في عيونهم كما القصاص بينهم في أنفسهم ، وسواء كان الجاني أحسن عينا من المجني عليه ، أو أحد بصرا ، [ ص: 215 ] أو المجني عليه أحسن عينا وأحد بصرا ، لا فضل لعين أحدهما على عين الآخر على ظاهر الكتاب والسنة ، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المؤمنون تكافأ دماؤهم " ، فسوى بين دمائهم على اختلاف أحوالهم في أنفسهم وعقولهم وآدابهم وعلومهم وأنسابهم ، كان ما دون النفس أولى أن يكافأ إذا اختلفوا فيه ، مع أن كل مختلف فيه من باب العين مردود إلى ظاهر قوله : ( والعين بالعين ) .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية