الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر قتل المرتد وجرحه

                                                                                                                                                                              ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه ، أو زنى بعد إحصانه ، أو قتل نفسا بغير نفس" . فإذا كفر الرجل بعد إيمانه وثبت ذلك عند الإمام فعليه إن ثبت على الكفر ولم يراجع دين الإسلام قتله ، فإذا وجب قتله فعدى عليه رجل من الناس بغير إذن الإمام فقتله فليس عليه شيء من عقل ولا قود ، لأنه قتل نفسا مباحة ، غير أن الإمام ينهاه عن ذلك ، لأنه تولى ما ليس إليه ، ويعزره إن رأى ذلك . والجواب في الزاني المحصن إذا ثبت ذلك عليه كالجواب فيمن قتل المرتد ، ولا يشبه هذا القاتل الذي حل دمه بالقتل ، لأن الله جعل السلطان في ذلك للولي ، قال الله عز وجل ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ) . [ ص: 511 ]

                                                                                                                                                                              وجعل النبي صلى الله عليه وسلم ولي المقتول بالخيار ، إن شاء اقتص ، وإن شاء أخذ الدية ، وإن شاء عفى وترك القصاص والعقل ، ولو جرح جارح المرتد أو قطع بعض أطرافه كان كذلك ، لأن الكبير إذا أبيح ، فالقليل منه مباح مثله ، غير أنه ينهى [عنه] ويعزره الإمام ، لأنه تولى ما ليس إليه .

                                                                                                                                                                              وقد اختلفوا فيمن جرح مرتدا ثم أسلم المرتد ، فكان الأوزاعي يقول : إن راجع الإسلام عقلت جراحته ، وإن قتل على كفره فجراحاته هدر . وكان الشافعي لا يجعل عليه عقلا ولا قودا ، لأنه جرح وهو مباح الدم ، وسواء رجع إلى الإسلام أو لم يرجع إليه . وقال الشافعي : ولو أرسل [سهم] على مرتد فلم (يقع) به السهم حتى أسلم ، أو على حربي فلم يقع به السهم حتى أسلم ، فليس عليه قود بحال لما أصابهما من رميته ، وعليه الكفارة ودية حرين مسلمين بتحول حالهما قبل وقوع الرمية ، وإذا ضرب الرجل الرجل المسلم ثم ارتد المضروب عن الإسلام ثم مات من الضربة ضمن الضارب الأقل من أرش الضربة أو دية ، من قبل أن الضربة كانت وفيها عقل وقود ، فإذا مات مرتدا سقط القود ، لأنها لم تبرأ ، وجعلت العقل في ماله ، لأنها كانت غير مباحة ، وكان سفيان الثوري يقول في رجل فقأ عين رجل مرتد أو قطع يده أو قتله قال : ليس عليه قصاص ، ولكنه يعزر ، لأنه فعل ذلك دون الإمام . [ ص: 512 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية