الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر الرجل يجد مع امرأته رجلا فيقتله

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يجد مع امرأته رجلا . فقالت طائفة : ليس له أن يقتله حتى يأتي بأربعة شهداء ، فإن قتله ولا بينة له ، أهدر دمه . روينا عن علي بن أبي طالب أنه قال : إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته . [ ص: 95 ]

                                                                                                                                                                              9349 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا يحيى ، أنه سمع سعيد بن المسيب ، يقول : إن رجلا من أهل الشام يدعى ابن الخيبري وجد مع امرأته رجلا فقتلها أو قتله ، وإن معاوية شكل عليه القضاء ، فكتب إلى أبي موسى الأشعري - وهو بالعراق - أن سل عنها عليا ، فسأل أبو موسى عليا فقال له علي : ما ذكرك هذا إن هذا لشيء ما هو بأرضي . فقال : أعزم عليك لتخبرني فقال كتب إلي معاوية أن أسألك عنه . فقال علي : أنا أبو حسن ، إن لم يقم عليه أربعة شهداء ، فليعط برمته .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول - بعد أن ذكر حديث علي : وبهذا نأخذ ، ولا أحفظ عن أحد قبلنا من أهل العلم مخالفا ، غير أن الشافعي قال : ويسعه فيما بينه وبين الله - تعالى - قتل الرجل وامرأته إذا كانا ثيبين ، وعلم أنه قد نال منها ما يوجب (الغسل) ولا يسقط بقوله فيما يبطل عنه القود . قال : وهكذا لو وجده يتلوط بابنه أو يزني بجاريته ، وقال أبو ثور كما قال الشافعي : إذا نال منها ما يوجب (الغسل) وكان ثيبا ، ويحكم عليه بالقود في الحكم . [ ص: 96 ]

                                                                                                                                                                              وقال أحمد : إن جاء ببينة أنه وجده مع امرأته في بيته وقد قتله يهدر دمه ، وإن كان شاهدين . قال إسحاق كما قال .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وجاءت الأخبار عن عمر بن [الخطاب مختلفة ، وعامتها منقطعة فإن ثبت عن عمر أنه أهدر دمها ] فإنما ذلك لبينة ثبتت عنده بوجوب القود . والله أعلم .

                                                                                                                                                                              9350 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن ثابت وحميد ومطر ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير أن رجلا من المسلمين كان غازيا في سبيل الله ، فخلف على امرأته رجل من اليهود ، فمر به رجل من المسلمين عند صلاة الفجر وهو يرتجز ويقول :

                                                                                                                                                                              وأشعث غره الإسلام مني خلوت بعرسه ليل التمام     أبيت على ترائبها ويمسي
                                                                                                                                                                              على جرداء لاحقة الحزام

                                                                                                                                                                              [ ص: 97 ]

                                                                                                                                                                              كأن مواضع الربلات منها      [فئام ] ينهضون إلى [فئام ]

                                                                                                                                                                              فدخل عليه فضربه بسيفه حتى قتله
                                                                                                                                                                              ، فجاءت اليهود إلى عمر يطلبون دمه ، فجاء الرجل فأخبره بالأمر ، فأبطل عمر دمه .

                                                                                                                                                                              9351 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن مغيرة بن النعمان ، عن هانئ بن حرام ، أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتلهما ، فكتب عمر بكتاب في العلانية أن يقيدوه ، وكتابا في السر أن أعطوه الدية .

                                                                                                                                                                              9352 - حدثنا يحيى ، قال : حدثنا الحجبي ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتلها ، قال : فقال بعض إخوتها : قد عفوت عن حصتي من دم أختي - أو كلمة نحوها - قال : فأمر عمر بن الخطاب لبقيتهم بالدية .

                                                                                                                                                                              وقد حرم الله عز وجل دماء المؤمنين في كتابه فقال : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الدماء والأموال ، ونهى سعدا أن يقتل حتى يأتي بأربعة شهداء ، فدم المؤمن محرم بالكتاب والسنة واتفاق الأمة إلا من حيث أبيح . [ ص: 98 ]

                                                                                                                                                                              9353 - أخبرنا الربيع ، قال : أخبرنا الشافعي ، قال : أخبرنا مالك ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن سعدا قال : يا رسول الله ، أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نعم " .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ففي نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا - مع مكان سعد من الثقة والصلاح - دليل على منع جميع الناس من قتل من يدعون إباحة قتله بغير بينة .

                                                                                                                                                                              وبمثل ذلك جاء الحديث عن علي بن أبي طالب قال : إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته .

                                                                                                                                                                              فإذا ثبت تحريم الدماء بالكتاب والسنة واتفاق الأمة ، فغير جائز إباحة ما قد ثبت تحريمه إلا ببينة .

                                                                                                                                                                              وقد حكي عن النعمان أنه قال : إذا قتل رجل رجلا في داره ، فطالبه أولياء المقتول بالدم ، فقال : وجدته في داري يريد السرقة فقتلته ، نظر ، فإن كان المقتول يعرف بالسرقة درأنا عنه القتل وضمناه الدية ، وإن كان غير معروف بالسرقة أقدنا ولي المقتول منه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وهذا خلاف ما ثبت عن نبي الله ، وخلاف قول علي بن أبي طالب ، وقد ثبت عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لو يعطى الناس بدعواهم ادعى ناس دماء ناس " .

                                                                                                                                                                              9354 - أخبرنا محمد بن عبد الله ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن عباس ، عن [ ص: 99 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لو يعطى الناس بدعواهم ، ادعى ناس دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه " .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية