الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر النصرانيين يسلم أحدهما

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في النصرانيين يسلم أحدهما ولهم أولاد لم يبلغوا .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة : يكونون لأبيهم نصرانيا كان أو مسلما ، إن كانت أمهم مسلمة . هذا قول مالك ، وقال ابن القاسم في المرأة تسلم ولها أولاد صغار والزوج كافر ، قال مالك : الولد على دين الأب .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : وهو أن المشركين إذا كان لهما ولد فأي الأبوين أسلم فكل من لم يبلغ من الولد تبع للمسلم ، يصلى عليه إذا مات ويرثه المسلم ، فأما أن يقال : الولد للأب ، فأين حظ الأم منه ؟ ولو اتبع الأم دون الأب كما يتبعها في الرق والعتق كان أولى أن يغلط إليه من أن يقال هو للأب ، وإن كان الدين ليس من معنى الرق . هذا قول الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقال أحمد بن حنبل في يهودية أسلمت ولها ابن صغير : يجبر على الإسلام ما لم يبلغ .

                                                                                                                                                                              قلت : إذا أسلم أحد أبويه وهو صغير قال : يكون مسلما .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث : قاله الثوري ، قال في الصبي يسلم أحد أبويه : إذا بلغ فهو بالخيار ، إن شاء دين أمه ، وإن شاء دين أبيه . [ ص: 476 ]

                                                                                                                                                                              وفيه قول رابع : قاله أصحاب الرأي ، قالوا في الغلام إذا ولد على الإسلام أو أسلم أبواه أو أحدهما وهو صغير ثم أدرك فأبى الإسلام ، فإن كان وصف الإسلام ودخل فيه بعدما أدرك استتيب ، فإن أسلم وإلا قتل ، وإن هو لم يصف الإسلام بعدما يدرك أجبر على الإسلام ، ولم يقتل ، ويصنع به في الإجبار كما يصنع بالمرأة . وحكى المزني عن زفر أنه قال في صبي ابن عشر سنين تحته امرأة مسلمة ارتد عن الإسلام قال : لا تبين منه امرأته ، وردته ليست بردة . وقال يعقوب : ردته ردة ، وقد بانت منه امرأته . قال الشافعي كقول زفر ، وبه قال المزني . وقال النعمان : ارتداد الصبي الذي يعقل ارتداد ، إلا أنه لا يقتل ، ويجبر على الإسلام ، وإسلامه إسلام ، ولا يورث أبويه إن كانا كافرين ، وهذا قول النعمان ومحمد .

                                                                                                                                                                              وقال يعقوب : ارتداده [ليس] [ارتدادا] ، وإسلامه إسلام .

                                                                                                                                                                              وقال الليث بن سعد في النصراني يسلم وله ولد قد بلغ عشر سنين فغفل عن أمره حتى احتلم ، قال الليث : يكرهون على الإسلام ويؤدبون ، ويرفق بهم فيه ، ويشتد عليهم ، فإن أبوا إلا العقوبة عوقبوا وحبسوا في السجن أبدا حتى يرجعوا إلى الإسلام ، ولا يقتلون ، وإن أبوا إلا الكفر ، لأنهم لم يكونوا أسلموا ثم كفروا ، وبه قال ابن وهب . [ ص: 477 ]

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي في رجل أسلم وله أولاد صغار : يتركهم على النصرانية حتى يدركوا ثم يرادوا على الإسلام فيأبون الإسلام وينكرونه ، قال الأوزاعي : إنما يقتل المرتدين عن الإسلام ، وأما الأطفال أدبوا على صيغة الكفر حتى أدركوا ، ثم لم يكونوا على الإسلام ساعة من نهار ، فإنما يسرف عليهم بالوعيد وببعض الامتحان والحبس حتى يعذر فيهم ، فإن أبوا أن يسلموا تركوا ، ويرثهم أولياؤهم من أهل دينهم .

                                                                                                                                                                              وقال الأوزاعي في الصغير لم [يبلغ] الحلم يسلم ويصلي ويقيم شهورا أو سنينا وأياما على الإسلام ثم يرجع ، أيترك في ذلك أم يؤدب ويضرب على الإسلام ؟ قال : يؤدب ويضرب على الإسلام ، ويحجب عنه أهل الكفر ، فإن أبى خلي سبيله ، وإن كان أدرك حتى أسلم وهو على الإسلام استتيب فإن أبى أن يرجع قتل .

                                                                                                                                                                              وقيل لأحمد بن حنبل : ابن عشر أسلم ، قال : أما أنا فأجيزه على الإسلام ، لأنه يؤمر بالصلاة في العشر .

                                                                                                                                                                              قال إسحاق : كذا هو ، وكذلك إذا بلغ ابن سبع سنين .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية