ولكن استضعف هذا التوجيه بوجهين فقال: "أحدهما: أن النون [ ص: 192 ] الثانية أصل، وهي فاء الكلمة فحذفها يبعد جدا. والثاني: أن حركتها غير حركة النون الأولى، فلا يستثقل الجمع بينهما بخلاف "تظاهرون " ألا ترى أنك لو قلت: "تتحامى المظالم" لم يسغ حذف الثانية". أبا البقاء
أما كون الثانية أصلا فلا أثر له في منع الحذف، ألا ترى أن النحويين اختلفوا في إقامة واستقامة: أي الألفين المحذوفة؟ مع أن الأولى هي أصل لأنها عين الكلمة. وأما اختلاف الحركة فلا أثر له أيضا; لأن الاستثقال باتحاد لفظ الحرفين على أي حركة كانا.
الوجه الثاني: أن "نجي" فعل ماض مبني للمفعول، وإنما سكنت لامه تخفيفا، كما سكنت في قوله: "ما بقي من الربا" في قراءة شاذة تقدمت لك. قالوا: وإذا كان الماضي الصحيح قد سكن تخفيفا فالمعتل أولى، فمنه:
3357 - إنما شعري قيد قد خلط بجلجلان
وقد ذكرت منه جملة صالحة.
وأسند هذا الفعل إلى ضمير المصدر مع وجود المفعول الصريح [ ص: 193 ] كقراءة "ليجزى قوما بما كانوا يكسبون" وهذا رأي الكوفيين أبي جعفر وقد ذكرت له شواهد فيما مضى من هذا التصنيف، والتقدير: نجي النجاء. قال والأخفش. "وهو ضعيف من وجهين، أحدهما: تسكين آخر الفعل الماضي، والآخر إقامة المصدر مع وجود المفعول الصريح". قلت: عرفت جوابهما مما تقدم. أبو البقاء:
الوجه الثالث: أن الأصل: ننجي كقراءة العامة، إلا أن النون الثانية قلبت جيما، وأدغمت في الجيم بعدها. وهذا ضعيف جدا; لأن النون لا تقارب الجيم فتدغم فيها.
الوجه الرابع: أنه ماض مسند لضمير المصدر أي: نجي النجاء كما تقدم في الوجه الثاني، إلا أن "المؤمنين" ليس منصوبا بنجي بل بفعل مقدر، وكأن صاحب هذا الوجه فر من إقامة غير المفعول به مع وجوده، فجعله من جملة أخرى.
وهذه القراءة متواترة، ولا التفات على من طعن على قارئها، وإن كان قال: "هي لحن". وهذه جرأة منه قد سبقه إليها أبو علي أبو إسحاق . وأما الزجاج فلم يطعن عليها، إنما طعن على بعض الأوجه التي قدمتها فقال: "ومن تمحل لصحته فجعله فعل وقال: نجي النجاء [ ص: 194 ] المؤمنين، فأرسل الياء وأسنده إلى مصدره ونصب المؤمنين، فتعسف بارد التعسف". قلت: فلم يرتض هذا التخريج بل للقراءة عنده تخريج آخر. وقد يمكن أن يكون هو الذي بدأت به لسلامته مما تقدم من الضعف. الزمخشري