الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (33) قوله : كل : أي: كل منهما أي: من الشمس والقمر، أو منها أي: من الليل والنهار والشمس والقمر. و "يسبحون" يجوز أن يكون خبر "كل" على المعنى. و "في فلك" متعلق به، ويجوز أن يكون حالا. والخبر الجار وهو "في فلك". وهذا الذي: ذكرته من كون المضاف إليه يجوز أن يقدر بالأربعة الأشياء المذكورة. ذكره أبو البقاء. وأما غيره فلم يذكر إلا أن المضاف إليه الشمس والقمر. وهو الظاهر; لأن السباحة من صفتهما دون الليل والنهار، وعلى هذا فيعتذر عن الإتيان بضمير الجمع، وعن كونه جمع من يعقل.

                                                                                                                                                                                                                                      أما الأول فقيل: إنما جمع لأن ثم معطوفا محذوفا تقديره: والنجوم، كما دلت عليه آيات أخر. وقال الزمخشري: "الضمير للشمس والقمر، والمراد بهما جنس الطوالع كل يوم وليلة، جعلوها متكاثرة لتكاثر مطالعها، وهو السبب في جمعهما بالشموس والأقمار". انتهى. والذي حسن ذلك كونه رأس آية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء: "يسبحون" خبر "كل" على المعنى; لأن كل واحد إذا سبح فكلها تسبح. وقيل: يسبحون على هذا الوجه حال. والخبر "في فلك".

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 153 ] وقيل: التقدير: كلها، والخبر "يسبحون"، أتى بضمير الجمع على معنى "كل". وفي هذا الكلام نظر: من حيث إنه لما جوز أن يكون المضاف إليه شيئين جعل الخبر الجار، و "يسبحون" حالا، فرارا من عدم مطابقة الخبر للمبتدأ، فوقع في تخالف الحال وصاحبها.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الثاني فلأنه لما أسند إليها السباحة التي هي من أفعال العقلاء جمعها جمع العقلاء كقوله: "رأيتهم لي ساجدين" و "أتينا طائعين".

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الجملة يجوز أن تكون لا محل لها من الإعراب لاستئنافها. ويجوز أن يكون محلها النصب على الحال. فإن قلنا: إن السباحة تنسب إلى الليل والنهار، كما تقدم نقله عن أبي البقاء في أحد الوجهين فتكون حالا من الجميع. وإن كان لا يصح نسبتها إليهما كانت حالا من الشمس والقمر. وتأويل الجمع قد تقدم. قال الشيخ: "أو محلها النصب على الحال من الشمس والقمر; لأن الليل والنهار لا يتصفان بأنهما يجريان في فلك، فهو كقولك: رأيت زيدا وهندا متبرجة" انتهى. وهذا قد سبقه إليه الزمخشري فنقله عنه، يعني أنه قد دل دليل على أن الحال من بعض ما تقدم كما في المثال المذكور.

                                                                                                                                                                                                                                      والسباحة: العوم في الماء. وقد يعبر به عن مطلق الذهاب، وقد تقدم اشتقاقه في "سبحانك".

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 154 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية