الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (5) قوله : من البعث : يجوز أن يتعلق بـ "ريب"، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لـ ريب. وقرأ الحسن "البعث" بفتح العين. وهي لغة كالطرد والجلب في الطرد والجلب بالسكون. قال الشيخ: "والكوفيون إسكان العين عندهم تخفيف [يقيسونه] فيما وسطه حرف حلق كالنهر والنهر والشعر والشعر، والبصريون لا يقيسونه، وما ورد من ذلك هو عندهم مما جاء فيه لغتان" قلت: فهذا يوهم ظاهره أن الأصل البعث بالفتح، وإنما خفف، وليس الأمر كذلك، وإنما محل النزاع إذا سمع الحلقي مفتوح العين: هل يجوز تسكينه أم لا؟ لا أنه كل ما جاء ساكن العين من الحلقيها يدعى أن أصلها الفتح كما هو ظاهر عبارته.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "مخلقة وغير مخلقة" العامة على الجر في "مخلقة"، وفي "غير"، على النعت. وقرأ ابن أبي عبلة بنصبهما على الحال من النكرة، وهو قليل جدا وإن كان سيبويه قاسه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 231 ] والعلقة: القطعة من الدم الجامدة. وعن بعضهم - وقد سئل عن أصعب الأشياء- فقال: "وقع الزلق على العلق" أي: على دم القتلى في المعركة. والمضغة: القطعة من اللحم قدر ما تمضغ نحو: الغرفة والأكلة بمعنى: المغروفة والمأكولة. والمخلقة: الملساء التي لا عيب فيها من قولهم: صخرة خلقاء أي: ملساء. وخلقت السواك: سويته وملسته. وقيل: التضعيف في "مخلقة" دلالة على تكثير الخلق لأن الإنسان ذو أعضاء متباينة وخلق متفاوتة. قاله الشعبي وقتادة وأبو العالية. وهو معنى حسن.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ونقر" العامة على رفع "ونقر" لأنه مستأنف، وليس علة لما قبله فينتصب نسقا على ما تقدمه. وقرأ يعقوب وعاصم في رواية بنصبه. قال أبو البقاء: "على أن يكون معطوفا في اللفظ، والمعنى مختلف; لأن اللام في "لنبين" للتعليل، واللام المقدرة من "نقر" للصيرورة" وفيه نظر; لأن قوله "معطوفا في اللفظ" يدفعه قوله: "واللام المقدرة" فإن تقدير اللام يقتضي النصب بإضمار "أن" بعدها لا بالعطف على ما قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن عاصم أيضا "ثم نخرجكم" بنصب الجيم. وقرأ ابن أبي عبلة "ليبين ويقر" بالياء من تحت فيهما، والفاعل هو الله تعالى كما في قراءة النون. وقرأ يعقوب في رواية "ونقر" بفتح النون وضم القاف ورفع الراء، من قر الماء [ ص: 232 ] يقره أي: صبه. وقرأ أبو زيد النحوي "ويقر" بفتح الياء من تحت وكسر القاف ونصب الراء أي: ويقر الله. وهو من قر الماء إذا صبه. وفي "الكامل" لابن جبارة "لنبين ونقر ثم نخرجكم" بالنصب فيهن - يعني وبالنون في الجميع- المفضل. بالياء فيهما مع النصب: أبو حاتم، وبالياء والرفع عمر بن شبة" انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري: [640/ب] "والقراءة بالرفع إخبار بأنه تعالى يقر في الأرحام ما يشاء أن يقره". ثم قال: "والقراءة بالنصب تعليل، معطوف على تعليل. معناه: خلقناكم مدرجين، هذا التدريج لغرضين، أحدهما: أن نبين قدرتنا. والثاني: أن نقر في الأرحام من نقر، ثم يولدوا وينشؤوا ويبلغوا حد التكليف فأكلفهم. ويعضد هذه القراءة قوله "ثم لتبلغوا أشدكم".

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: تسمية مثل هذه الأفعال المسندة إلى الله تعالى غرضا لا يجوز.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن وثاب "نشاء" بكسر النون، وهو كسر حرف المضارعة، وقد تقدم ذلك في أول هذا الموضوع.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "طفلا" حال من مفعول "نخرجكم"، وإنما وحد لأنه في الأصل [ ص: 233 ] مصدر كالرضا والعدل، فيلزم الإفراد والتذكير، قاله المبرد: إما لأنه مراد به الجنس، وإما لأن المعنى: يخرج كل واحد منكم نحو: القوم يشبعهم رغيف أي: كل واحد منهم. وقد يطابق به ما يراد به، فيقال: طفلان وأطفال. وفي الحديث: "سئل عن أطفال المشركين" والطفل يطلق على الولد من حين الانفصال إلى البلوغ. وأما الطفل بالفتح فهو الناعم، والمرأة طفلة قال:


                                                                                                                                                                                                                                      3371 - ولقد لهوت بطفلة ميالة بلهاء تطلعني على أسرارها



                                                                                                                                                                                                                                      أما الطفل بفتح الطاء والفاء فوقت ما بعد العصر، من قولهم: طفلت الشمس إذا مالت للغروب. وأطفلت المرأة أي: صارت ذات طفل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأت فرقة "يتوفى" بفتح الياء. وفيه تخريجان، أحدهما: أن الفاعل ضمير الباري تعالى أي: يتوفاه الله تعالى، كذا قدره الزمخشري. والثاني: أن الفاعل ضمير "من" أي: يتوفى أجله. وهذه القراءة كالتي في البقرة "والذين يتوفون منكم" أي: مدتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 234 ] وروي عن أبي عمرو ونافع أنهما قرآ "العمر" بسكون العين وهو تخفيف قياسي نحو "عنق" في "عنق".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "لكيلا" متعلق بـ "يرد". وتقدم نظيره في النحل.

                                                                                                                                                                                                                                      و "هامدة" نصب على الحال لأن الرؤية بصرية. والهمود: السكون والخشوع. وهمدت الأرض: يبست ودرست. وهمد الثوب: بلي. قال الأعشى:


                                                                                                                                                                                                                                      3372 - قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا     وأرى ثيابك باليات همدا



                                                                                                                                                                                                                                      والاهتزاز: التحرك، وتجوز به هنا عن إنبات الأرض نباتها بالماء. والجمهور على "ربت" أي: زادت، من ربا يربو. وقرأ أبو جعفر وعبد الله بن جعفر وأبو عمرو في رواية "وربأت" بالهمز أي ارتفعت. يقال: ربأ بنفسه عن كذا أي: ارتفع عنه. ومنه الربيئة وهو من يطلع على موضع عال لينظر للقوم ما يأتيهم. ويقال له "ربيء" أيضا قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      3373 - بعثنا ربيئا قبل ذلك مخملا     كذئب الغضى يمشي الضراء ويتقي



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 235 ] قوله: "من كل زوج" فيه وجهان، أحدهما: أنه صفة للمفعول المحذوف تقديره: وأنبتت ألوانا أو أزواجا من كل زوج. والثاني: أن "من" زائدة أي: أنبتت كل زوج. وهذا ماش عند الكوفيين والأخفش.

                                                                                                                                                                                                                                      والبهيج: الحسن الذي يسر ناظره. وقد بهج بالضم- بهاجة وبهجة أي: حسن. وأبهجني كذا أي: سرني بحسنه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية