الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (18) قوله : وكثير من الناس : فيه أوجه أحدها: أنه مرفوع بفعل مضمر تقديره: ويسجد له كثير من الناس. وهذا عند من يمنع استعمال المشترك في معنييه، أو الجمع بين الحقيقة والمجاز، في كلمة واحدة; وذلك أن السجود المسند لغير العقلاء غير السجود المسند للعقلاء، فلا يعطف "كثير من الناس" على ما قبله لاختلاف الفعل المسند إليهما في المعنى. ألا ترى أن سجود غير العقلاء هو الطواعية والإذعان لأمره، وسجود العقلاء هو هذه الكيفية المخصوصة.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أنه معطوف على ما تقدمه. وفي ذلك ثلاثة تأويلات أحدها: أن المراد بالسجود القدر المشترك بين الكل العقلاء وغيرهم وهو الخضوع والطواعية، وهو من باب الاشتراك المعنوي. والتأويل الثاني: أنه مشترك اشتراكا لفظيا، ويجوز استعمال المشترك في معنييه. والتأويل الثالث: أن السجود المسند للعقلاء حقيقة ولغيرهم مجاز. ويجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز. وهذه الأشياء فيها خلاف، لتقريره موضوع هو أليق به من هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث من الأوجه المتقدمة: أن يكون "كثير" مرفوعا بالابتداء. وخبره محذوف وهو "مثاب" لدلالة خبر مقابله عليه، وهو قوله: "وكثير حق عليه العذاب" كذا قدره الزمخشري. وقدره أبو البقاء: "مطيعون أو مثابون أو نحو ذلك".

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 246 ] الرابع: أن يرتفع "كثير" على الابتداء أيضا، ويكون خبره "من الناس" أي: من الناس الذين هم الناس على الحقيقة، وهم الصالحون والمتقون.

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أن يرتفع بالابتداء أيضا. ويبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب، فيعطف "كثير" على "كثير" ثم يخبر عنهم بـ "حق عليه العذاب" ذكر ذلك الزمخشري. قال الشيخ: - بعد أن حكى عن الزمخشري الوجهين الآخرين- قال: "وهذان التخريجان ضعيفان" ولم يبين وجه ضعفهما.

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: أما أولهما فلا شك في ضعفه; إذ لا فائدة طائلة في الإخبار بذلك. [642/ب] وأما الثاني فقد يظهر: وذلك أن التكرير يفيد التكثير، وهو قريب من قولهم: "عندي ألف وألف"، وقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3376 - لو عد قبر وقبر كنت أكرمهم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الزهري "والدواب" مخفف الباء. قال أبو البقاء: "ووجهها: أنه حذف الباء الأولى كراهية التضعيف والجمع بين ساكنين". وقرأ جناح بن حبيش و "كبير" بالباء الموحدة. وقرئ "وكثير حقا" بالنصب. [ ص: 247 ] وناصبه محذوف وهو الخبر، تقديره: وكثير حق عليه العذاب حقا. "والعذاب" مرفوع بالفاعلية. وقرئ "حق" مبنيا للمفعول.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عطية: "وكثير حق عليه العذاب" يحتمل أن يكون معطوفا على ما تقدم أي: وكثير حق عليه العذاب يسجد أي كراهية وعلى رغمه: إما بظله، وإما بخضوعه عند المكاره". قلت: فقوله: "معطوف على ما تقدم" يعني عطف الجمل لا أنه هو وحده عطف على ما قبله، بدليل أنه قدره مبتدأ. وخبره قوله: "يسجد".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ومن يهن الله" "من" مفعول مقدم، وهي شرطية. جوابها الفاء مع ما بعدها. والعامة على "مكرم" بكسر الراء اسم فاعل. وقرأ ابن أبي عبلة بفتحها، وهو اسم مصدر أي: فما له من إكرام.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية