الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (23) قوله : يحلون : العامة على الياء وفتح اللام مشددة، من حلاه يحليه إذا ألبسه الحلي. وقرئ بسكون الحاء وفتح اللام مخففة، وهو بمعنى الأول، كأنهم عدوه تارة بالتضعيف وتارة بالهمزة. قال أبو البقاء: "من قولك: أحلى أي ألبس الحلي، وهو بمعنى المشدد".

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبن عباس بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللام مخففة. وفيها ثلاثة أوجه. أحدها: أنه من حليت المرأة تحلى فهي حال. وكذلك حلي الرجل فهو حال، إذا لبسا الحلي أو صارا دون حلي. الثاني: أنه من حلي بعيني كذا يحلى إذا استحسنته. و "من" مزيدة في قوله "من أساور" قال: "فيكون المعنى: يستحسنون فيها الأساور الملبوسة". ولما نقل الشيخ هذا الوجه عن أبي الفضل الرازي قال: "وهذا ليس بجيد لأنه جعل حلي فعلا [ ص: 252 ] متعديا، ولذلك حكم بزيادة "من" في الواجب. وليس مذهب البصريين. وينبغي على هذا التقدير أن لا يجوز; لأنه لا يحفظ بهذا المعنى إلا لازما، فإن كان بهذا المعنى كانت "من" للسبب أي: بلباس أساور الذهب يحلون بعين من رآهم، أي: يحلى بعضهم بعين بعض".

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: وهذا الذي نقله عن أبي الفضل قاله أبو البقاء، وجوز في مفعول الفعل وجها آخر فقال: "ويجوز أن يكون من حلي بعيني كذا إذا حسن، وتكون "من" زائدة أو يكون المفعول محذوفا، و "من أساور" نعت له". فقد حكم عليه بالتعدي ليس إلا، وجوز في المفعول الوجهين المذكورين.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أنه من حلي بكذا إذا ظفر به، فيكون التقدير: يحلون بأساور. فـ "من" بمعنى الباء. ومن مجيء حلي بمعنى ظفر قولهم: لم يحل فلان بطائل أي: لم يظفر به. واعلم أن حلي بمعنى لبس الحلية، أو بمعنى ظفر من مادة الياء لأنهما من الحلية. وأما حلي بعيني كذا فإنه من مادة الواو لأنه من الحلاوة، وإنما قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "من أساور من ذهب" في "من" الأولى ثلاثة أوجه، أحدها: أنها زائدة، كما تقدم تقريره عن الرازي وأبي البقاء. وإن لم يكن من أصول البصريين. والثاني: أنها للتبعيض أي: بعض أساور. والثالث: أنها لبيان الجنس، قاله ابن عطية، وبه بدأ. وفيه نظر إذ لم يتقدم شيء مبهم. وفي "من ذهب" لابتداء الغاية، هي نعت لأساور كما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عباس "من أسور" دون ألف ولا هاء، وهو محذوف من [ ص: 253 ] "أساور" كما [في] جندل والأصل جنادل، قال الشيخ: "وكان قياسه صرفه; لأنه نقص بناؤه فصار كجندل، لكنه قدر المحذوف موجودا فمنعه الصرف". قلت: فقد جعل أن التنوين في جندل المقصور من "جنادل" تنوين صرف. وقد نص بعض النحاة على أنه تنوين عوض كهو في جوار وغواش وبابهما.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ولؤلؤا" قرأ نافع وعاصم بالنصب. والباقون بالخفض. فأما النصب ففيه أربعة أوجه، أحدها: أنه منصوب بإضمار فعل تقديره: ويؤتون لؤلؤا. ولم يذكر الزمخشري غيره [643/ب]، وكذا أبو الفتح حمله على إضمار فعل. الثاني: أنه منصوب نسقا على موضع "من أساور"، وهذا كتخريجهم "وأرجلكم" بالنصب عطفا على محل "برؤوسكم"، ولأن "يحلون فيها من أساور" في قوة: "يلبسون أساور" فحمل هذا عليه. والثالث: أنه عطف على "أساور"; لأن "من" مزيدة فيها كما تقدم تقريره. الرابع: أنه معطوف على ذلك المفعول المحذوف. التقدير: يحلون فيها الملبوس من أساور ولؤلؤا. فـ "لؤلؤا" عطف على الملبوس.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 254 ] وأما الجر فعلى وجهين، أحدهما: عطفه على "أساور". والثاني: عطفه على "من ذهب" لأن السوار يتخذ من اللؤلؤ أيضا، ينظم بعضه إلى بعض. وقد منع أبو البقاء العطف على "ذهب" قال: "لأن السوار لا يكون من لؤلؤ في العادة ويصح أن يكون حليا".

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف الناس في رسم هذه اللفظة في الإمام: فنقل الأصمعي أنها في الإمام "لؤلؤ" بغير ألف بعد الواو، ونقل الجحدري أنها ثابتة في الإمام بعد الواو. وهذا الخلاف بعينه قراءة وتوجيها جار في حرف فاطر أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو بكر في رواية المعلى بن منصور عنه "لؤلوا" بهمزة أولا وواو آخرا. وفي رواية يحيى عنه عكس ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الفياض "ولوليا" بواو أولا وياء أخيرا، والأصل: لؤلؤا أبدل الهمزتين واوين، فبقي في آخر الاسم واو بعد ضمة. ففعل فيها ما فعل بـ أدل جمع دلو: بأن قلبت الواو ياء والضمة كسرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عباس: "وليليا" بياءين، فعل ما فعل الفياض، ثم أتبع الواو [ ص: 255 ] الأولى للثانية في القلب. وقرأ طلحة "ولول" بالجر عطفا على المجرور قبله. وقد تقدم، والأصل "ولولو" بواوين، ثم أعل إعلال أدل.

                                                                                                                                                                                                                                      واللؤلؤ: قيل: كبار الجوهر وقيل صغاره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية