الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (22) قوله: من سبإ : قرأ البزي وأبو عمرو بفتح الهمزة، جعلاه اسما للقبيلة، أو البقعة، فمنعاه من الصرف للعلمية والتأنيث. وعليه قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3554 - من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون سيلها العرما



                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ قنبل بسكون الهمزة، كأنه نوى الوقف وأجرى الوصل مجراه. والباقون بالجر والتنوين، جعلوه اسما للحي أو المكان. وعليه قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3555 - الواردون وتيم في ذرا سبأ     قد عض أعناقهم جلد الجواميس



                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الخلاف جار بعينه في سورة سبأ. وفي قوله: "من سبإ بنبإ" فيه من البديع: "التجانس" وهو تجنيس التصريف. وهو عبارة عن انفراد كل كلمة من الكلمتين عن الأخرى بحرف كهذه الآية. ومثله: "تفرحون في الأرض بغير [ ص: 595 ] الحق وبما كنتم تمرحون" وفي الحديث: "الخيل معقود بنواصيها الخير".

                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر:


                                                                                                                                                                                                                                      3556 - لله ما صنعت بنا     تلك المعاجر والمحاجر



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري: "وقوله: "من سبإ بنبإ" من جنس الكلام الذي سماه المحدثون بالبديع. وهو من محاسن الكلام الذي يتعلق باللفظ، بشرط أن يجيء مطبوعا، أو يصنعه عالم بجوهر الكلام، يحفظ معه صحة المعنى وسداده، ولقد جاء هنا زائدا على الصحة فحسن وبدع لفظا ومعنى. ألا ترى أنه لو وضع مكان "بنبأ" "بخبر" لكان المعنى صحيحا، وهو كما جاء أصح; لما في النبأ من الزيادة التي يطابقها وصف الحال". يريد بالزيادة: أن النبأ أخص من الخبر; لأنه لا يقال إلا فيما له شأن من الأخبار بخلاف الخبر فإنه يطلق على ما له شأن، وعلى ما لا شأن له، فكل نبأ خبر من غير عكس. وبعضهم يعبر عن نحو "من سبإ بنبإ" في علم البديع بالترديد. قاله صاحب "التحرير". وقال [ ص: 596 ] غيره: إن الترديد عبارة عن رد أعجاز البيوت على صدورها، أو رد كلمة من النصف الأول إلى النصف الثاني. فمثال الأول قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3557 - سريع إلى ابن العم يلطم وجهه     وليس إلى داعي الخنا بسريع



                                                                                                                                                                                                                                      ومثال الثاني قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3558 - والليالي إذا نأيتم طوال     والليالي إذا دنوتم قصار



                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن كثير في رواية "من سبا" مقصورا منونا. وعنه أيضا: "من سبأ" بسكون الباء وفتح الهمزة، جعله على فعل ومنعه من الصرف لما تقدم. وعن الأعمش "من سبء" بهمزة مكسورة غير منونة. وفيها إشكال; إذ لا وجه للبناء. والذي يظهر لي أن تنوينها لا بد أن يقلب ميما وصلا ضرورة ملاقاته للباء، فسمعها الراوي، فظن أنه كسر من غير تنوين. وروي عن أبي عمرو "من سبا" بالألف صريحة كقولهم: "تفرقوا أيدي سبا". وكذلك قرئ "بنبا" بألف خالصة، وينبغي أن يكونا لقارئ واحد.

                                                                                                                                                                                                                                      و "سبأ" في الأصل اسم رجل من قحطان، واسمه عبد شمس، وسبأ [ ص: 597 ] لقب له. وإنما لقب به لأنه أول من سبى، وولد له عشرة أولاد، تيامن ستة وهم: حمير وكندة والأزد وأشعر وخثعم وبجيلة، وتشاءم أربعة وهم: لخم وجذام وعاملة وغسان.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية