الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (19) قوله : ومن عنده : يجوز فيه وجهان، أحدهما: أنه معطوف على "من" الأولى. أخبر تعالى عن من في السماوات والأرض، وعن من عنده بأن الكل له في ملكه، وعلى هذا فيكون من باب ذكر الخاص بعد العام منبهة على شرفه. لأن قوله: "من في السماوات" شمل من عنده، وقد مر [ ص: 140 ] نظيره في قوله: "وجبريل وميكال" . وقوله: "لا يستكبرون" على هذا فيه أوجه، أحدها: أنه حال من "من" الأولى أو الثانية أو منهما معا. وقال أبو البقاء: "حال: إما من الأولى أو الثانية على قول من رفع بالظرف" يعني أنه إذا جعلنا "من" في قوله "وله من في السماوات" مرفوعا بالفاعلية، والرافع الظرف; وذلك على رأي الأخفش، جاز أن يكون "لا يستكبرون" حالا: إما من "من" الأولى، وإما من الثانية; لأن الفاعل يجيء منه الحال. ومفهومه أنا إذا جعلنا مبتدأ لا يجيء "يستكبرون" حالا، وكأنه يرى أن الحال لا تجيء من المبتدأ، وهو رأي لبعضهم. وفي المسألة كلام مقرر في غير هذا الموضوع، ويجوز أن يكون "لا يستكبرون" حالا من الضمير المستكن في "عنده" الواقع صلة، وأن يكون حالا من الضمير المستكن في "له" الواقع خبرا.

                                                                                                                                                                                                                                      والوجه الثاني من وجهي "من": أن تكون مبتدأ، و "لا يستكبرون" خبره، وهذه جملة معطوفة على جملة قبلها. وهل الجملة من قوله "وله من في السماوات" استئنافية أو معادلة لجملة قوله: "ولكم الويل" أي: لكم الويل، ولله تعالى جميع العالم علويه وسفليه؟ والأول أظهر.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يستحسرون أي: لا يكلون ولا يتعبون. يقال: استحسر البعير أي كل وتعب. قال: علقمة بن عبدة:


                                                                                                                                                                                                                                      3333 - بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 141 ] ويقال: حسر البعير، وحسرته أنا، فيكون لازما ومتعديا. وأحسرته أيضا. فيكون فعل وأفعل بمعنى في أحد وجهي فعل. قال الزمخشري: "الاستحسار مبالغة في الحسور. فكان الأبلغ في وصفهم أن ينفي عنهم أدنى الحسور. قلت: في الاستحسار بيان أن ما هم فيه يوجب غاية الحسور وأقصاه، وأنهم أحقاء لتلك العبادات الباهظة بأن يستحسروا فيما يفعلون" وهو سؤال حسن وجواب مطابق.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية