الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (22) قوله : إلا الله : "إلا" هنا صفة للنكرة قبلها بمعنى "غير". والإعراب فيها متعذر، فجعل على ما بعدها. وللوصف بها شروط منها: تنكير الموصوف، أو قربه من النكرة بأن يكون معرفا بأل الجنسية. ومنها أن يكون جمعا صريحا كالآية، أو ما في قوة الجمع كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3334 - لو كان غيري سليمى اليوم غيره وقع الحوادث إلا الصارم الذكر



                                                                                                                                                                                                                                      فـ "إلا الصارم" صفة لغيري لأنه في معنى الجمع. ومنها أن لا يحذف موصوفها عكس "غير". وقد أتقنا هذا كله في "إيضاح السبيل إلى شرح التسهيل" فعليك به. وأنشد سيبويه على ذلك قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      3335 - وكل أخ مفارقه أخوه     لعمر أبيك إلا الفرقدان



                                                                                                                                                                                                                                      أي: وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه. وقد وقع الوصف بـ إلا كما وقع الاستثناء بـ "غير"، والأصل في "إلا" الاستثناء وفي "غير" الصفة. ومن ملح كلام أبي القاسم الزمخشري : "واعلم أن "إلا" وغير يتقارضان".

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يجوز أن ترتفع الجلالة على البدل من "آلهة" لفساد المعنى. قال [ ص: 143 ] الزمخشري: "فإن قلت: ما منعك من الرفع على البدل؟ قلت: لأن "لو" بمنزلة "إن" في أن الكلام معها موجب، والبدل لا يسوغ إلا في الكلام غير الموجب كقوله تعالى: "ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك" وذلك لأن أعم العام يصح نفيه ولا يصح إيجابه". فجعل المانع صناعيا مستندا إلى ما ذكر من عدم صحة إيجاب أعم العام.

                                                                                                                                                                                                                                      وأحسن من هذا ما ذكره أبو البقاء من جهة المعنى فقال: "ولا يجوز أن يكون بدلا، لأن المعنى يصير إلى قولك: لو كان فيهما الله لفسدتا، ألا ترى أنك لو قلت: "ما جاءني قومك إلا زيد" على البدل لكان المعنى: جاءني زيد وحده. ثم ذكر الوجه الذي رد به الزمخشري فقال: "وقيل: يمتنع البدل لأن قبلها إيجابا" . ومنع أبو البقاء النصب على الاستثناء لوجهين، أحدهما: أنه فاسد في المعنى، وذلك أنك إذا قلت: "لو جاءني القوم إلا زيدا لقتلتهم" كان معناه: أن القتل امتنع لكون زيد مع القوم. فلو نصبت في الآية لكان المعنى: إن فساد السماوات والأرض امتنع لوجود الله تعالى مع الآلهة. وفي ذلك إثبات إله مع الله. وإذا رفعت على الوصف لا يلزم مثل ذلك; لأن المعنى: لو كان فيهما غير الله لفسدتا. والوجه الثاني: أن آلهة هنا نكرة، والجمع إذا كان نكرة لم يستثن منه عند جماعة من المحققين; إذ لا عموم له بحيث يدخل فيه المستثنى لولا الاستثناء".

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الوجه الذي منعاه - أعني الزمخشري وأبا البقاء- قد أجازه [ ص: 144 ] أبو العباس المبرد وغيره: أما المبرد فإنه قال: "جاز البدل لأن ما بعد "لو" غير موجب في المعنى. والبدل في غير الواجب أحسن من الوصف. وفي هذا نظر من جهة ما ذكره أبو البقاء من فساد المعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن الضائع تابعا للمبرد: لا يصح المعنى عندي إلا أن تكون "إلا" في معنى "غير" التي يراد بها البدل أي: لو كان فيهما آلهة عوض واحد أي بدل الواحد الذي هو الله لفسدتا. وهذا المعنى أراد سيبويه في المسألة التي جاء بها توطئة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الشلوبين في مسألة سيبويه "لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا": إن المعنى: لو كان معنا رجل مكان زيد لغلبنا، فـ "إلا" بمعنى "غير" التي بمعنى مكان. وهذا أيضا جنوح من أبي علي إلى البدل. وما ذكره ابن الضائع من المعنى المتقدم مسوغ للبدل. وهو جواب عما أفسد به أبو البقاء وجه البدل، إذ معناه واضح، ولكنه قريب من تفسير المعنى لا من تفسير الإعراب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية