فأما إسكان الهاء وقصرها وإشباعها فقد مر تحقيقها مستوفى في مواضع [ ص: 429 ] من هذا التصنيف. وأما تسكين القاف فإنهم حملوا المنفصل على المتصل: وذلك أنهم يسكنون عين فعل فيقولون: كبد وكتف وصبر في: كبد وكتف وصبر، لأنها كلمة واحدة، ثم أجري ما أشبه ذلك من المنفصل مجرى المتصل; فإن "يتقه" صار منه "تقه" بمنزلة "كتف" فسكن كما تسكن. ومنه:
3461 - قالت سليمى اشتر لنا سويقا ... ... ... ...
بسكون الراء، كما سكن الآخر:
3462 - فبات منتصبا وما تكردسا ... ... ... ...
والآخر:
3463 - عجبت لمولود وليس له أب وذي ولد لم يلده أبوان
يريد: منتصبا، ولم يلده. وقد تقدم في أول البقرة تحرير هذا الضابط في قوله: "فهي كالحجارة"، وهي وهو ونحوها.
[ ص: 430 ] وقال "كان يجب على من أسكن القاف أن يضم الهاء; لأن هاء الكناية إذا سكن ما قبلها، ولم يكن الساكن ياء ضمت نحو: منه وعنه. ولكن لما كان سكون القاف عارضا لم يعتد به، وأبقى الهاء على كسرتها التي كانت عليها مع كسر القاف، ولم يصلها بياء، لأن الياء المحذوفة قبل الهاء مقدرة منوية، فبقي الحذف الذي في الياء قبل الهاء على أصله". وقال مكي: "الكسرة في الهاء لالتقاء الساكنين، وليست [668/ب] الكسرة التي قبل الصلة; وذلك أن هاء الكناية ساكنة في قراءته، ولما أجري "تقه" مجرى "كتف" وسكن القاف التقى ساكنان، ولما التقيا اضطر إلى تحريك أحدهما: فإما أن يحرك الأول أو الثاني. لا سبيل إلى تحريك الأول لأنه يعود إلى ما فر منه وهو ثقل فعل فحرك ثانيهما. وأصل التقاء الساكنين [الكسر] فلذلك كسر الهاء ويؤيده قوله: الفارسي:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لم يلده أبوان
وذلك أن أصله "لم يلده" بكسر اللام وسكون الدال للجزم، ثم لما سكن اللام التقى ساكنان، فلو حرك الأول لعاد إلى ما فر منه، فحرك ثانيهما وهو الدال وحركها بالفتح، وإن كان على خلاف أصل التقاء الساكنين مراعاة لفتحة الياء.
وقد رد قول القاسم بن فيره ويقول: "لا يصح قوله: إنه [ ص: 431 ] كسر الهاء لالتقاء الساكنين; لأن الفارسي حفصا يسكن الهاء في قراءته قط". وقد رد أبو عبد الله شارح قصيدته هذا الرد وقال: "وعجبت من نفيه الإسكان عنه مع ثبوته عنه في "أرجه" و "فألقه" وإذا قرأه في "أرجه" و "فألقه" احتمل أن يكون "يتقه" عنده قبل سكون القاف كذلك، وربما ترجح ذلك بما ثبت عن من قراءته إياه بسكون الهاء مع كسر القاف". عاصم
قلت: لم يعن الشاطبي بأنه لم يسكن الهاء قط، الهاء من حيث هي هي، وإنما عنى هاء "يتقه" بخصوصها. وكان الشاطبي أيضا يعترض التوجيه الذي قدمته عن مكي ويقول: "تعليله حذف الصلة: بأن الياء المحذوفة قبل الهاء مقدرة منوية فبقي في حذف الصلة بعد الهاء على أصله، غير مستقيم من قبل أنه قرأ "يؤدهي" وشبهه بالصلة، ولو كان يعتبر ما قاله من تقدير الياء قبل الهاء لم يصلها. قال أبو عبد الله: "وهو وإن قرأ "يؤدهي" وشبهه بالصلة فإنه قرأ "يرضه" بغير صلة فألحق "يتقه" بـ "يرضه" وجعله مما خرج فيه عن نظائره لاتباع الأثر والجمع بين اللغتين. وترجح ذلك عنده لأن اللفظ عليه. ولما كانت القاف في حكم المكسورة بدليل كسر القاف بعدها صار كأنه "يتقه" بكسر القاف والهاء من غير صلة كقراءة مكي قالون في أحد وجهيه، فعلله بما يعلل به قراءتهما. وهشام والشاطبي ترجح عنده حمله على الأكثر مما قرأ به، لا على ما قل وندر، فاقتضى تعليله بما ذكر.