وقال "هو ضعيف" وأجازه على حذف المفعول الثاني. التقدير: "لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين" قلت: وسبب تلحينهم هذه القراءة أنهم اعتقدوا أن "الذين" فاعل، ولم يكن في اللفظ إلا مفعول واحد وهو "معجزين"، فلذلك قالوا ما قالوا. والجواب عن ذلك من وجوه أحدها: أن الفاعل مضمر يعود على ما تقدم، أو على ما يفهم من السياق، كما سبق تحريره. الثاني: أن المفعول الأول محذوف تقديره: لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين. إلا أن حذف أحد المفعولين ضعيف عند البصريين. ومنه قول الفراء: عنترة:
3466 - ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم
أي: لا تظني غيره واقعا. ولما نحا إلى هذا الوجه قال: "وأن يكون الأصل: لا يحسبنهم الذين كفروا معجزين، ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول. وكأن الذي سوغ ذلك أن الفاعل والمفعولين [ ص: 437 ] لما كانت لشيء واحد اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث" فقدر المفعول الأول ضميرا متصلا. قال الشيخ: "وقد رددنا هذا التخريج في أواخر آل عمران في قوله: "لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا" في قراءة من قرأه بالغيبة، وجعل الفاعل "الذين يفرحون". وملخصه: أن هذا ليس من الضمائر التي يفسرها ما بعدها فلا يتقدر "لا يحسبنهم" إذ لا يجوز: "ظنه زيد قائما" على رفع "زيد" بـ "ظنه" قلت: وقد تقدم في الموضع المذكور رد هذا الرد فعليك بالالتفات إليه. الزمخشري
الثالث: أن المفعولين هما قوله: "معجزين في الأرض" قاله الكوفيون. ولما نحا إليه قال: "والمعنى: لا يحسبن الذين كفروا أحدا يعجز الله في الأرض حتى يطمعوا هم في مثل ذلك. وهذا معنى قوي جيد". قلت: قيل: هو خطأ; لأن الظاهر تعلق في "الأرض" بـ "معجزين" فجعله مفعولا ثانيا كالتهيئة للعمل والقطع عنه، وهو نظير: "ظننت قائما في الدار". الزمخشري
قوله: "ومأواهم النار" فيه ثلاثة أوجه. أحدها: أن هذه الجملة عطف على جملة النهي قبلها من غير تأويل ولا إضمار، وهو مذهب أعني عطف الجمل بعضها على بعض، وإن اختلفت أنواعها خبرا وطلبا وإنشاء. وقد تقدم تحقيقه في أول هذا الموضوع والدليل عليه. الثاني: أنها معطوفة عليها، ولكن بتأويل جملة النهي بجملة خبرية. والتقدير: الذين كفروا لا يفوتون الله ومأواهم النار. قاله سيبويه كأنه يرى تناسب الجمل شرطا في العطف. هذا ظاهر حاله. الثالث: أنها معطوفة على جملة مقدرة. الزمخشري.
[ ص: 438 ] قال "لا يحتمل أن يكون " ومأواهم " متصلا بقوله: "لا تحسبن ذاك" أي: وهذا إيجاب فهو إذن معطوف بالواو على مضمر قبله تقديره: لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض بل هم مقهورون، ومأواهم النار". الجرجاني: