قوله: "لا بشرى" هذه الجملة معمولة لقول مضمر أي: يرون الملائكة يقولون: لا بشرى، فالقول حال من الملائكة. وهو نظير التقدير في قوله [ ص: 471 ] تعالى: "والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم". قال الشيخ: "واحتمل "بشرى" أن يكون مبنيا مع "لا"، واحتمل أن يكون في نية التنوين منصوب اللفظ، ومنع من الصرف للتأنيث اللازم. فإن كان مبنيا مع "لا" احتمل أن يكون "يومئذ" خبرا، و "للمجرمين" خبر بعد خبر، أو نعتا لـ "بشرى"، أو متعلقا بما تعلق به الخبر، وأن يكون "يومئذ" صفة لـ "بشرى"، والخبر "للمجرمين" ويجيء خلاف سيبويه هل الخبر لنفس لا، أو الخبر للمبتدأ الذي هو مجموع "لا" وما بني معها؟ وإن كان في نية التنوين وهو معرب جاز أن يكون "يومئذ" و "للمجرمين" خبرين، وجاز أن يكون "يومئذ" خبرا و "للمجرمين" صفة. والخبر إذا كان الاسم ليس مبنيا لنفس "لا" بإجماع". والأخفش:
قلت: قوله: "واحتمل أن يكون في نية التنوين" إلى آخره لا يتأتى إلا على قول وهو أنه يرى أن اسم "لا" النافية للجنس معرب، ويعتذر عن حذف التنوين بكثرة الاستعمال، ويستدل عليه بالرجوع إليه في الضرورة. وينشد: أبي إسحاق.
3480 - ألا رجلا جزاه الله خيرا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ ص: 472 ] ويتأوله البصريون على إضمار: ألا ترونني رجلا. وكان يمكن الشيخ أن يجعله معربا - كما ادعى- بطريق أخرى: وهي أن يجعل "بشرى" عاملة في "يومئذ" أو في "للمجرمين" فيصير من قبيل المطول، والمطول معرب، لكنه لم يلم بذلك. وسيأتي شيء من هذا في كلام رحمه الله. ويجوز أن يكون "بشرى" معربا منصوبا بطرق أخرى. وهي أن تكون منصوبة بفعل مقدر أي: لا يبشرون بشرى كقوله تعالى: "لا مرحبا بهم"، "لا أهلا ولا سهلا". إلا أن كلام الشيخ لا يمكن تنزيله على هذا لقوله: "جاز أن يكون "يومئذ" و "للمجرمين" خبرين" فقد حكم أن لها خبرا. وإذا جعلت منصوبة بفعل مقدر لا يكون لـ "لا" حينئذ خبر، لأنها داخلة على ذلك الفعل المقدر. وهذا موضع حسن فتأمله. أبي البقاء
قوله: "يومئذ للمجرمين" قد تقدم من "يومئذ" أوجه. وجوز أن يكون منصوبا بـ "بشرى" قال: "إذا قدرت أنها منونة غير مبنية مع "لا" ويكون الخبر "للمجرمين". أبو البقاء
وجوز أيضا هو أن يكون "يومئذ" تكريرا لـ "يوم يرون". ورده الشيخ سواء أريد بالتكرير التوكيد اللفظي أم أريد به البدل قال:"لأن [ ص: 473 ] يوم منصوب بما تقدم ذكره من "اذكر"، أو من يعدمون البشرى. وما بعد "لا" العاملة في الاسم لا يعمل فيه ما قبلها. وعلى تقدير ما ذكراه يكون العامل فيه ما قبل لا". قلت: وما رد به ليس بظاهر; وذلك لأن الجملة المنفية معمولة للقول المضمر الواقع حالا من "الملائكة"، والملائكة معمولة لـ "يرون"، ويرون معمول لـ "يوم" خفضا بالإضافة، فـ "لا" وما في حيزها من تتمة الظرف الأول من حيث إنها معمولة لبعض ما في حيزه فليست بأجنبية ولا مانعة من أن يعمل ما قبلها فيما بعدها. والعجب له كيف تخيل هذا، وغفل عما قلته فإنه واضح مع التأمل؟ والزمخشري
و "للمجرمين" من وضع الظاهر موضع المضمر شهادة عليهم بذلك. والضمير في "يقولون" يجوز عوده للكفار و "للملائكة".
و "حجرا" من المصادر الملتزم إضمار ناصبها، ولا يتصرف فيه. قال "ويقول الرجل للرجل: أتفعل كذا؟ فيقول: حجرا". وهي من حجره إذا منعه; لأن المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه لا يلحقه. وكأن المعنى: أسأل الله أن يمنعه منعا ويحجره حجرا. سيبويه:
والعامة على كسر الحاء. والضحاك والحسن على ضمها وهو لغة فيه. قال وأبو رجاء "ومجيئه على فعل أو فعل في قراءة الزمخشري: تصرف فيه لاختصاصه بموضع واحد، كما كان قعدك وعمرك كذلك. [ ص: 474 ] وأنشدت لبعض الرجاز: الحسن
3481 - قالت وفيها حيدة وذعر عوذ بربي منكم وحجر
وهذا الذي أنشده يقتضي تصرف "حجرا" وقد تقدم نص الزمخشري على أنه يلزم النصب. وحكى سيبويه فيه لغة ثالثة وهي الفتح. قال: "وقد قرئ بها". فعلى هذا كمل فيه ثلاث لغات مقروء بهن. أبو البقاء
ومحجورا صفة مؤكدة للمعنى كقولهم: ذيل ذائل، وموت مائت. والحجر: العقل لأنه يمنع صاحبه.