وقرأ الكوفيون هنا وفي ق "تشقق" بالتخفيف. والباقون [ ص: 476 ] بالتشديد. وهما واضحتان. حذف الأولون تاء المضارعة، أو تاء التفعل، على خلاف في ذلك. والباقون أدغموا تاء التفعل في الشين لما بينهما من المقاربة، وهما "كتظاهرون وتظاهرون" حذفا وإدغاما. وقد مضى في البقرة. وأبو عمرو
قوله: "بالغمام" في هذه الباء ثلاثة أوجه، أحدها: على السببية أي: بسبب الغمام، يعني بسبب طلوعه منها. ونحو "السماء منفطر به" كأنه الذي تنشق به السماء. الثاني: أنها للحال أي: ملتبسة بالغمام. الثالث: أنها بمعنى عن أي: عن الغمام كقوله: "يوم تشقق الأرض عنهم".
قوله: "ونزل الملائكة" فيها اثنتا عشرة قراءة: ثنتان في المتواتر، وعشر في الشاذ. فقرأ من السبعة "وننزل" بنون مضمومة ثم أخرى ساكنة وزاي خفيفة مكسورة مضارع "أنزل"، و "الملائكة" بالنصب مفعول به. وكان من حق المصدر أن يجيء بعد هذه القراءة على إنزال. قال ابن كثير "لما كان أنزل ونزل يجريان مجرى واحدا، أجرى مصدر أحدهما على مصدر الآخر": وأنشد: أبو علي:
3482 - وقد تطويت انطواء الحضب ... ... ... ...
[ ص: 477 ] لأن تطويت وانطويت بمعنى". قلت: ومثله "وتبتل إليه تبتيلا" أي: تبتلا. وقرأ الباقون من السبعة "ونزل" بضم النون وكسر الزاي المشددة وفتح اللام، ماضيا مبنيا للمفعول. "الملائكة" بالرفع لقيامه مقام الفاعل. وهي موافقة لمصدرها.
وقرأ ابن مسعود "ونزل" بالتشديد ماضيا مبنيا للفاعل، وهو الله تعالى، "الملائكة" مفعول به. وعنه أيضا "وأنزل" مبنيا للفاعل عداه بالتضعيف مرة، وبالهمزة أخرى. والاعتذار عن مجيء مصدره على التفعيل كالاعتذار عن وأبو رجاء وعنه أيضا "وأنزل" مبنيا للمفعول. ابن كثير.
وقرأ هارون عن "وتنزل الملائكة" بالتاء من فوق وتشديد الزاي ورفع اللام مضارعا مبنيا للفاعل، "الملائكة" بالرفع، مضارع نزل بالتشديد، وعلى هذه القراءة فالمفعول محذوف أي: وتنزل الملائكة ما أمرت أن تنزله. أبي عمرو
وقرأ الخفاف عنه، وجناح بن حبيش "ونزل" مخففا مبنيا للفاعل "الملائكة" بالرفع. عن وخارجة أيضا أبي عمرو وأبو معاذ "ونزل" بضم النون وتشديد الزاي ونصب "الملائكة". والأصل: وننزل بنونين حذفت إحداهما.
وقرأ أبو عمرو في رواية عنهما بهذا الأصل "وننزل" بنونين وتشديد الزاي. وقرأ وابن كثير و "نزلت" بالتشديد مبنيا للمفعول. و "تنزلت" بزيادة تاء في أوله، وتاء التأنيث فيهما. أبي
[ ص: 478 ] وقرأ في طريقة أبو عمرو الخفاف عنه "ونزل" بضم النون وكسر الزاي خفيفة مبنيا للمفعول، قال صاحب اللوامح: "فإن صحت القراءة فإنه حذف منها المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، تقديره: ونزل نزول الملائكة، فحذف النزول، ونقل إعرابه إلى الملائكة. بمعنى: نزل نازل الملائكة; لأن المصدر يجيء بمعنى الاسم. وهذا مما يجيء على مذهب [675/ب] في ترتيب بناء اللازم للمفعول به; لأن الفعل يدل على مصدره"، قلت: وهذا تمحل كثير دعت إليه ضرورة الصناعة، وقال سيبويه "وهذا غير معروف; لأن نزل لا يتعدى إلى مفعول فيبنى هنا للملائكة. ووجهه: أن يكون مثل: زكم الرجل وجن، فإنه لا يقال: إلا: أزكمه وأجنه الله، وهذا باب سماع لا قياس". قلت: ونظير هذه القراءة ما تقدم في سورة الكهف في قراءة من قرأ "فلا يقوم له يوم القيامة وزنا" بنصب "وزنا" من حيث تعدية القاصر وتقدم ما فيها. ابن جني: