قال الشيخ: "ولا ضرورة تدعو إلى حذف المضاف كما ذكر". قلت: إنما قدر المضاف ليتوهم دخول المستثنى في المستثنى منه; لأنه متى لم يتوهم ذلك لم يقع الاستثناء، ولهذا منعوا: "صهلت الخيل إلا الإبل" إلا بتأويل.
[ ص: 533 ] الثاني: أنه مفعول به لقوله: "لا ينفع" أي: لا ينفع المال والبنون إلا هذا الشخص فإنه ينفعه فإنه ينفعه ماله المصروف في وجوه البر، وبنوه الصلحاء، لأنه علمهم وأحسن إليهم. الثالث: أنه بدل من المفعول المحذوف، أو مستثنى منه، إذ التقدير: لا ينفع مال ولا بنون أحدا من الناس إلا من كانت هذه صفته. والمستثنى منه يحذف كقوله:
3520 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا
أي: ولم ينج بشيء. الرابع: أنه بدل من فاعل "ينفع" فيكون مرفوعا. قال "وغلب من يعقل فيكون التقدير: إلا مال من، أو بنو من فإنه ينفع نفسه وغيره بالشفاعة". أبو البقاء:
قلت: خلط وجها بوجه: وذلك أنه إذا أردنا أن نجعله بدلا من فاعل "ينفع" فلنا فيه طريقان، أحدهما: طريقة التغليب أي: غلبنا البنين على المال، فاستثنى من البنين، فكأنه قيل: لا ينفع البنون إلا من أتى من البنين بقلب سليم فإنه ينفع نفسه بصلاحه، وغيره بالشفاعة. وأبو البقاء
والطريقة الثانية: أن تقدر مضافا محذوفا قبل "من" أي: إلا مال من أو بنو من فصارت الأوجه خمسة.
ووجه اتصال الاستثناء، بوجهين، أحدهما: إلا حال من أتى الله بقلب سليم، وهو من قوله: الزمخشري
[ ص: 534 ]
3521 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . تحية بينهم ضرب وجيع
"وما ثوابه إلا السيف" ومثاله أن يقال: هل لزيد مال وبنون؟ فيقال: ماله وبنوه سلامة قلبه. تريد نفي المال والبنين عنه، وإثبات سلامة قلبه بدلا عن ذلك. والثاني قال: "وإن شئت حملت الكلام على المعنى وجعلت المال والبنين في معنى الغنى، كأنه قيل: يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى، لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه".