الثالث: قال "حتى" في هذه المواضع حرف ابتداء. ويحتمل أن تكون غاية مجردة بتقدير كلام محذوف. والأول أبين; لأن ما بعدها هو المعني به المقصود ذكره". قال الشيخ: "فتوهم ابن عطية: أن "حتى" إذا كانت حرف ابتداء لا تكون غاية، وهي وإن كانت [659/ب] حرف ابتداء، فالغاية معنى لا يفارقها، ولم يبين الكلام المحذوف المقدر". وقال ابن عطية "حتى" غاية في معنى العطف". وقال الشيخ: "والذي يظهر لي أن قبلها جملة محذوفة تكون "حتى" غاية لها يدل عليها ما قبلها. التقدير: فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين ويحضرونهم، حتى إذا جاء. ونظير [ ص: 366 ] حذفها قول الشاعر: أبو البقاء:
3424 - فيا عجبا حتى كليب تسبني . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي: يسبني الناس كلهم حتى كليب. إلا أن في البيت دل ما بعدها عليها بخلاف الآية الكريمة.
قوله: "رب ارجعون" في قوله: "ارجعون" بخطاب الجمع ثلاثة أوجه، أجودها: أنه على سبيل التعظيم كقول الشاعر:
3425 - فإن شئت حرمت النساء سواكم وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا
وقال آخر:
2326 - ألا فارحموني يا إله محمد . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قد يؤخذ من هذا البيت ما يرد على الشيخ جمال الدين بن مالك حيث قال: "إنه لم يعلم أحدا أجاز للداعي يقول: يا رحيمون". قال: "لئلا يوهم خلاف التوحيد". وقد أخبر تعالى عن نفسه بهذه الصيغة وشبهها للتعظيم في غير موضع من كتابه الكريم.
الثاني: أنه نادى ربه، ثم خاطب ملائكة ربه بقوله: "ارجعون" ويجوز على هذا الوجه أن يكون على حذف مضاف أي: يا ملائكة ربي، فحذف [ ص: 367 ] المضاف ثم التفت إليه عود الضمير كقوله: "وكم من قرية أهلكناها" ثم قال: "أو هم قائلون" التفاتا لـ "أهل" المحذوف.
الثالث: أن ذلك يدل على تكرير الفعل، كأنه قال: ارجعون ارجعون ارجعون. نقله وهو يشبه ما قالوه في قوله: أبو البقاء. "ألقيا في جهنم" أنه بمعنى: ألق ألق ثني الفعل للدلالة على ذلك، وأنشدوا قوله:
3427 - قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي: قف قف.