الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            3434 - أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ، أنا أبو طاهر الزيادي ، أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، نا أحمد بن يوسف السلمي ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن همام، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله، وقال: "إياكم والظن"، ذكره ثلاثا، قال: "ولا تناجشوا"، بدل قوله: "ولا تجسسوا".

                                                                            هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد، عن عبد الله بن يوسف، وأخرجه مسلم، عن يحيى بن يحيى، كلاهما عن مالك.

                                                                            وزاد: "ولا تحسسوا ولا تجسسوا".

                                                                            قوله: " إياكم والظن "، أراد به سوء الظن، وتحقيقه دون مبادي الظنون التي لا تملك.

                                                                            لأنه سبحانه وتعالى قال: ( إن بعض الظن إثم ) ، ولم يجعل كله إثما.

                                                                            وحكي عن سفيان الثوري ، أنه قال: الظن ظنان: ظن إثم، وظن ليس بإثم، فأما الذي هو إثم، فالذي يظن ظنا، ويتكلم به.

                                                                            والذي ليس بإثم، فالذي يظن، ولا يتكلم به. [ ص: 111 ] .

                                                                            قلت: فأما استعمال سوء الظن إذا كان على وجه الحذر وطلب السلامة من شر الناس، فلا يأثم به الرجل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لعمرو بن الفغواء الخزاعي: " التمس صاحبا "، وأراد أن يبعث بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح، فجاء إليه عمرو بن أمية الضمري، وقال: " أنا لك صاحب "، قال: فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا هبطت بلاط قومه، فاحذره، فإنه قد قال القائل: " أخوك البكري ولا تأمنه "، وذلك مثل شهير للعرب في الحذر.

                                                                            وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: " احتجزوا من الناس بسوء الظن، ولا تثقوا بكل أحد، فإنه أسلم لكم ".

                                                                            وقال سلمان: " إني لأعد هراق القدر على خادمي مخافة الظن ".

                                                                            قال أبو خلدة: " كنا نؤمر بالختم على الخادم والكيل والعدد، خشية أن يصيب أحدنا إثما في الظن، أو يتعود الخادم خلق سوء ".

                                                                            وقال عبد الله بن مسعود: " ما يزال الذي يسرق يسيء الظن حتى يكون أعظم إثما من السارق ".

                                                                            والتجسس بالجيم: البحث عن عيوب الناس، والتحسس بالحاء: طلب الخير، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ) ، فالتجسس في الشر، وبالحاء في الخير. [ ص: 112 ] .

                                                                            قلت: نهى صلى الله عليه وسلم عن تتبع أخبار الناس لئلا يقع في حسده إن كان خيرا، ولا يظهر على عورته إن كان شرا.

                                                                            وقيل: التحسس بالحاء: أن يطلبه لنفسه، والتجسس بالجيم: أن يطلبه لغيره، ومنه الجاسوس.

                                                                            وقيل: التجسس، بالجيم: البحث عن العورات، والتحسس: الاستماع لحديث القوم، وأصله من الحس.

                                                                            لأنه يتتبعه بحسه، وقيل: هما سواء، وقرأ الحسن " ولا تحسسوا " بالحاء.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية