الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                            صفحة جزء
                                                                            3631 - وأخبرنا أبو محمد الجوزجاني ، أنا أبو القاسم الخزاعي ، أنا الهيثم بن كليب، نا أبو عيسى، نا محمد بن طريف الكوفي، نا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم، عن أبي وائل، [ ص: 213 ] عن حذيفة، قال: لقيت النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طريق المدينة، فقال: "أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا نبي الرحمة، ونبي التوبة، وأنا المقفى، وأنا الحاشر، ونبي الملاحم".

                                                                            وقد صح عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما سميت قاسما أقسم بينكم"

                                                                            قال ابن الأعرابي : " المقفي ": المتبع للنبيين، وقال شمر: المقفي والعاقب واحد، وهو المولي الذاهب، يقال: قفى عليه: إذا ذهب، فكأن المعنى أنه آخر الأنبياء، فإذا قفى، فلا نبي بعده، فإن قيل: قد قال عليه السلام: " أنا نبي الرحمة، ونبي الملاحم " كيف وجه الجمع بينهما؟ وقال عليه السلام: " إنما أنا رحمة مهداة "، وقال: " بعثت بالرحمة ".

                                                                            وقال جل ذكره: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ، فكيف يكون مبعوثا بالرحمة، وقد [ ص: 214 ] بعث بالسيف؟ قيل: هو مبعوث بالرحمة كما ذكر، وكما أخبر الله سبحانه وتعالى، وذلك أن الله سبحانه وتعالى بعث الأنبياء عليهم السلام، وأيدهم بالمعجزات، فمن أنكر من تلك الأمم الحق بعد الحجة والمعجزة عذبوا بالهلاك والاستئصال، ولكن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه عليه السلام بالجهاد معهم بالسيف، ليرتدعوا عن الكفر، ولم يجتاحوا بالسيف، فإن للسيف بقية، وليس مع العذاب المنزل بقية، وقد روي أن قوما من العرب، قالوا: يا رسول الله، أفنانا السيف، فقال: " ذلك أبقى لآخرتكم "، فهذا معنى الرحمة المبعوث بها ذكره الخطابي .

                                                                            قلت: ومما يؤيد ذلك حديث عائشة: إن الله سبحانه وتعالى بعث إليه ملك الجبال، فقال: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ".

                                                                            قلت: هو مبعوث بالرحمة أيضا، من حيث إن الله وضع في شريعته عن أمته ما كان في شرائع الأمم السالفة عليهم من الآصار والأغلال، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه في قصة موسى عليه السلام: ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ) إلى قوله: ( ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) وأعطى أمته في الأعمار القصيرة على الأعمال اليسيرة ضعف ما أعطى الأمم الماضية في الأعمار الطويلة على الأعمال الكثيرة الثقيلة، كما جاء في حديث [ ص: 215 ] ابن عمر : " إن اليهود والنصارى قالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء؟ قال الله سبحانه وتعالى: فذلك فضلي أوتيه من أشاء ".

                                                                            فقد أكمل الله سبحانه وتعالى على الخلائق بإرساله الرحمة، وأتم عليهم النعمة، وأعظم عليهم المنة، فله الحمد أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا.

                                                                            التالي السابق


                                                                            الخدمات العلمية