الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            6 - باب ما على القاضي في الخصوم والشهود .

                                                            4129 - أخبرنا أبو بكر بن فورك ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، أخبرنا يونس بن حبيب ، أخبرنا أبو داود ، أخبرنا شريك زائدة ، وسليمان بن معاذ قالوا : أخبرنا سماك بن حرب ، عن حنش بن المعتمر ، عن علي قال :

                                                            لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، قلت : تبعثني وأنا حديث السن لا علم لي بكثير من القضاء ؟ قال لي : " إذا أتاك الخصمان فلا تقض للأول حتى تسمع ما يقول الآخر ، فإنك إذا سمعت ما يقول الآخر عرفت كيف تقضي ، إن الله سيثبت لسانك ، ويهدي قلبك " قال علي : فما زلت قاضيا بعد .

                                                            4130 - أخبرنا أبو علي الروذباري ، أخبرنا محمد بن بكر ، أخبرنا أبو داود ، أخبرنا أحمد بن منيع ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا مصعب بن ثابت ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحاكم " .

                                                            [ ص: 133 ]

                                                            4131 - وروينا عن عباد بن كثير ، عن أبي عبد الله ، عن عطاء بن يسار ، عن أم سلمة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه ، وإشارته ، ومقعده ، لا يرفعن صوته على أحد الخصمين ما لا يرفع على الآخر " .

                                                            4132 - وروينا في حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :

                                                            " إني أحرج عليكم حق الضعيفين : اليتيم والمرأة " .

                                                            4133 - وحدثنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الفقيه ، أملاه أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال ، أخبرنا يحيى بن الربيع المكي ، أخبرنا سفيان ، عن إدريس الأودي ، قال : أخرج إلينا سعيد بن أبي بردة كتابا ، فقال : هذا كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى : " أما بعد ، فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة فافهم إذ أدلي إليك ، فإنه لا ينفع . تكلم بحق لا نفاذ له ، وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا يخاف ضعيف من جورك ، البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ، لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت الحق ، فإن الحق قديم لا يبطل الحق شيء ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك ، فما لم يبلغك في القرآن والسنة ، فتعرف الأمثال والأشباه ، ثم قس الأمور عند ذلك ، واعمد إلى أحبها إلى الله ، وأشبهها فيما ترى ، واجعل للمدعي أمدا ينتهي إليه ، فإن أحضر بينته ، وإلا وجهت عليه القضاء ، فإن ذلك أجلى للعمى ، وأبلغ في العذر . والمسلمون عدول بعضهم على بعض ، إلا مجلودا في حد أو مجربا بشهادة الزور أو ظنينا في ولاء أو قرابة ، فإن الله تولى منكم السرائر ودرأ عنكم الشبهات ، ثم إياك والضجر والقلق ، والتأذي [ ص: 134 ] بالناس ، والتنكر بالخصوم في مواضع الحق التي يوجب الله بها الأجر ، ويكسب بها الذخر ، فإنه من يصلح سريرته فيما بينه وبين ربه ، أصلح الله ما بينه ، وبين الناس .

                                                            ومن تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك شانه الله فما ظنك بثواب غير الله في عاجل الدنيا ، وخزائن رحمته ، والسلام " .

                                                            4134 - أخبرنا أبو الفتح العمري ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أخبرنا أبو القاسم البغوي . أخبرنا داود بن رشيد ، أخبرنا الفضل بن زياد ، أخبرنا شيبان ، عن الأعمش ، عن سليمان بن مسهر ، عن خرشة بن الحر قال : شهد رجل عند عمر بن الخطاب بشهادة ، فقال له : لست أعرفك ، ولا يضرك أن لا أعرفك ، ائت بمن يعرفك ، فقال رجل من القوم : أعرفه . قال : بأي شيء تعرفه ؟ قال : بالعدالة والفضل ، فقال : فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره ، ومدخله ومخرجه ؟ قال : لا . قال : فعاملته بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل على الورع ؟ قال : لا . قال : فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق قال : لا ، قال : لست تعرفه ثم قال للرجل : ائت بمن يعرفك .

                                                            4135 - وروى عاصم بن عبيد الله ، عن عبد الله بن عامر ، قال : أتى عمر بشاهد زور ، فوقفه للناس يوما إلى الليل ، يقول : " هذا فلان شهد بزور فاعرفوه ، ثم حبسه " .

                                                            [ ص: 135 ]

                                                            4136 - وروي عنه من وجه آخر أنه ظهر على شاهد زور فضربه أحد عشر سوطا ، ثم قال : لا تأسروا الناس بشهود الزور ، فإنا لا نقبل من الشهود إلا العدول .

                                                            4137 - وروي عن علي أنه كان إذا أخذ شاهد زور بعث به إلى عشيرته ، فقال : إن هذا شاهد زور فاعرفوه وعرفوه ، ثم خلى سبيله .

                                                            4138 - وروينا عن أبي حريز ، أن رجلا كان يهدي إلى عمر بن الخطاب كل سنة فخذ جزور ، قال : فجاء يخاصم إلى عمر فقال : يا أمير المؤمنين ! اقض بيننا قضاء فصلا كما تفصل الفخذ من الجزور . قال : فكتب عمر إلى عماله : لا تقبلوا الهدايا فإنها رشوة .

                                                            4139 - وروينا عن علي أنه قال لمن نزل به ثم قدم خصما له : تحول فإن رسول الله نهانا أن نضيف الخصم إلا وخصمه معه .

                                                            4140 - وفي رواية أخرى كان لا يضيف الخصم إلا وخصمه معه .

                                                            4141 - وفي رواية إسماعيل بن عياش ، عن يحيى ، عن عروة ، عن أبي حميد ، مرفوعا [هدايا العمال غلول ] .

                                                            4142 - وأخبرنا أبو بكر بن فورك ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، أخبرنا يونس بن حبيب ، أخبرنا أبو داود ، أخبرنا ابن أبي ذئب ، حدثني خالي الحارث بن عبد الرحمن ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي " .

                                                            [ ص: 136 ]

                                                            4143 - أخبرنا أبو علي الروذباري ، أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي ، أخبرنا أبو حاتم الرازي ، حدثنا الحسن بن بشر البجلي ، أخبرنا شريك بن عبد الله ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجنة ، قاض قضى بغير الحق وهو يعلم ، وذلك في النار ، وقاض قضى وهو لا يعلم فأهلك حقوق الناس فذلك في النار ، وقاض قضى بالحق وذلك في الجنة " .

                                                            4144 - ورواه أبو هاشم ، عن ابن بريدة ، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث قال : " رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ، ورجل قضى بين الناس بالجهل فهو في النار ، ورجل عرف الحق فجار فهو في النار " .

                                                            4145 - أخبرنا أبو حازم الحافظ ، أخبرنا أبو الفضل بن خميرويه ، أخبرنا أحمد بن نجدة قال : أخبرنا سعيد بن منصور ، أخبرنا خلف بن خليفة ، أخبرنا أبو هاشم قال : حدثني ابن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القضاة ثلاثة : اثنان في النار وواحد في الجنة . . . فذكرهم " .

                                                            التالي السابق


                                                            الخدمات العلمية