ذكر قتل العمد الذي يوجب القود
أجمع أهل العلم على أن من عمد فضرب رجلا بحديد محدد مثل السيف والخنجر والسكين وسنان الرمح وما أشبه ذلك مما يشق بحده ، فمات المضروب من ضربه أن عليه القود . [ ص: 73 ]
واختلفوا في الرجل يضرب الرجل بالعصا أو السوط الضرب الأغلب منه أنه يقتل أو يشدخ رأسه بالحجر الثقيل أو الخشبة الضخمة ، أو ما أشبه ذلك مما الأغلب أن مثله يقتل ، فقال كثير من أهل العلم : عليه القود .
كان عبيد بن عمير يقول : ينطلق الرجل الأيد فيتمطى على الرجل بالعصا والحجر حتى يفضخ رأسه ، ثم يقول : ليس بعمد ، وأي عمد أعمد من ذلك ؟! وقال الشعبي : إذا [عاد وبدأ ] بالعصا فهو قود . وهو مذهب النخعي ، والزهري ، وحماد بن أبي سليمان . ويروى عن علي أنه قال : العمد كله قود .
9330 - حدثنا موسى قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا حفص ، عن أشعث ، عن الشعبي ، قال : قال علي : العمد كله قود .
وكذلك قال الحسن ، وابن سيرين ، وعمرو بن دينار .
وروينا عن ابن عباس أنه قال في رجل أحرق دارا على قوم فاحترقوا قال : يقتل .
9331 - حدثونا عن بندار قال : حدثني عمر بن علي المقدمي قال : حدثنا سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس . وقد روينا عن جماعة من المتقدمين مثل معنى قول هؤلاء ، وكان مالك يقول في رجل ضرب رجلا بعصى أو رماه بحجر [ ص: 74 ] أو ضربه عمدا فمات من ذلك : إن ذلك هو العمد ، وفيه القصاص . وكذلك قال الشافعي : إذا كان الأغلب أن الذي ضربه يقتل مثله .
وكان ابن أبي ليلى يقول : إذا قتل رجل رجلا بعصى أو حجر ضربات فمات فعليه القصاص . وكان أحمد يقول : إذا قتل رجلا بحجر رضخ رأسه به قتل كما قتل . وكذلك قال إسحاق .
وقالت طائفة : العمد ما كان بسلاح . هكذا قال عطاء ، وطاوس وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال : العمد الحديدة ، بإبرة فما فوقها من السلاح .
وقالت طائفة : ليس العمد الذي يوجب القود إلا بحديدة . كذلك قال الحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، والشعبي ، ومسروق . وقال الحكم في الرجل يضرب الرجل بالعصا : ليس عليه قود . وبه قال النعمان .
وفي كتاب محمد بن الحسن : العمد ما تعمدت ضربه بسلاح ففيه القصاص . وحكي عن النعمان أنه قال : إذا غرق الرجل الصبي في البحر حتى مات أنه لا قصاص عليه وخالفه يعقوب ومحمد فقالا : عليه القصاص إذا جاء من ذلك ما لا يعاش من مثله .
قال أبو بكر : وبالقول [الأول ] أقول ، وذلك لقول الله - جل [ ص: 75 ] ذكره - : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) والقاتل بكل ما الأغلب من مثل فعله أنه يقتل قاتل .
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أوجب القصاص على من قتل بحجر ، وقد ذكرت إسناده في باب التسوية بين دماء المؤمنين ، ولا تمانع بين أهل اللغة أن يقال لمن ضرب رجلا بخشبة يعيد الضرب ويبدئ حتى يقتله أنه عمد قتله ، وخبر أنس موافق لظاهر الكتاب ، وظاهر الكتاب والسنة مستغنى بهما عن قول كل قائل .
9332 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال : حدثنا عفان قال : حدثنا همام قال : حدثنا قتادة ، عن أنس : أن جارية وجد رأسها بين حجرين فقيل لها : من فعل بك هذا ، أفلان ؟ أفلان ؟ حتى سمي اليهودي قال : فأومأت برأسها قال : فبعث إلى اليهودي فجيء به فاعترف ، قال : فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بين حجرين .


