ذكر المكره على الكفر أو الإسلام 
واختلفوا في المكره على الكفر أو الإسلام   . 
فقالت طائفة : إذا أكره على الكفر لم تبن منه زوجته ، ولم يحكم عليه بحكم الكفر ، هذا قول  مالك  ،  والشافعي  ، والكوفي   . قال  مالك   : إذا تنصر فإن علم أنه تنصر طائعا فرق بينه وبين امرأته ، وإن أكره لم يفرق بينه وبين امرأته ، فإن لم يعلم أنه تنصر مكرها أو طائعا فرق بينه وبين امرأته ، وماله في ذلك موقوف حتى يموت فيكون في بيت مال المسلمين ، أو يرجع إلى الإسلام . 
وقال  الشافعي   : ولو شهد عليه شاهدان أنهما سمعاه يرتد ، وقالا :  [ ص: 488 ] ارتد مكرها ، أو ارتد [محدودا] ، أو ارتد محبوسا  لم يغنم ماله ، وورثه ورثته من المسلمين ، ولو قالا : كان مخلى آمنا حين ارتد كانت تلك ردة ، وغنم ماله ، ولو ادعى ورثته أنه رجع إلى الإسلام لم يقبل منهم إلا ببينة ، فإن أقاموا بينة أنهم رأوه في مدة بعد الشهادة بالردة يصلي صلاة المسلمين قبلت ذلك منهم وورثتهم ماله ، ولو كان هذا في بلاد الإسلام والمرتد ليس في حال ضرورة ، لم أقبل هذا منهم حتى يشهد عليه شاهدان بالتوبة بعد الردة ، ولم أقبل من ورثته أنه ارتد مسجونا ، ولا [محدودا] إذا لم تقطع البينة أنه سجن و (حد) . 
وقال النعمان  ويعقوب   : لو أن رجلا أجبره أهل الشرك على أن يكفر فكفر  لم يكن بذلك كافرا ، ولم تبن منه بذلك امرأته ، وصلي عليه إن مات ، ويرثه أبوه المسلم إن مات ، لأنه مجبر على ذلك . 
وقال ابن الحسن   : إذا ظهر الشرك كان مرتدا في الظاهر ، وهو فيما بينه وبين الله على الإسلام ، إن كان مخلصا للإسلام بقلبه ، وتبين منه  [ ص: 489 ] امرأته ، ولا يصلى عليه إن مات ، ولا يرث أباه إن مات مسلما . ولو أن نصرانيا أجبره وال على الإسلام فأسلم لم يكن ذلك إسلاما  في قول النعمان  ، وفي قول محمد  يكون إسلاما في الظاهر ، فإن رجع عنه استتيب ، فإن تاب وإلا قتل . 
وقال  الأوزاعي  وسئل عن الأسير يظهر الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان فاضطروه إلى شرب الخمر ولحم الخنزير ودخول الكنائس معهم ، فإذا كان من الليل قام فصلى صلوات اليوم والليلة ، فهل يسعه ذلك  ؟ قال  الأوزاعي   : لا يسعه ذلك فإنما بلغنا أن التقية في القول وليس بالفعل . 
قال  أبو بكر   : ومما يحتج به في إسقاط الكفر عن المكره على الكفر قول الله عز وجل ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان   ) . 
 9657  - حدثنا  محمد بن إسماعيل الصائغ  ، حدثني سلمة  ، حدثنا  حفص بن عبد الرحمن  ، حدثنا  إبراهيم بن طهمان  ، عن مسلم الأعور  ، عن مجاهد  ، عن  ابن عباس  ، قال : لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهاجر إلى المدينة  قال لأصحابه : "تفرقوا عني فمن كانت به قوة فليتأخر إلى آخر الليل ، ومن لم تكن به قوة فليذهب أول الليل ، فإذا سمعتم بي قد استقررت في الأرض فالحقوا بي" ، قال : فأصبح بلال المؤذن  ، وخباب  وعمار  وجارية من قريش  كانت أسلمت ، فأصبحوا بمكة   . قال :  [ ص: 490 ] فأخذهم المشركون وأبو جهل  ، فعرضوا على بلال  أن يكفر فأبى ، فجعلوا يضعون درعا من حديد في الشمس ثم يلبسونها إياه ، فإذا ألبسوها إياه قال : أحد أحد . وأما خباب فجعلوا يجرونه في الشوك . وأما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم تقية . وأما الجارية [فوتد] لها أبو جهل  أربعة أوتاد ثم مدها فأدخل الحربة في قبلها حتى قتلها ، ثم خلوا عن بلال  وخباب  وعمار  فلحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه بالذي كان من أمرهم ، واشتد على عمار  الذي تكلم به . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كيف كان قلبك حين قلت الذي قلت ، أكان منشرحا بالذي قلت أم لا ؟ " قال : فأنزل الله عز وجل ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان   )   . 
 9658  - حدثنا علان  ، قال : حدثنا  عبد الله بن صالح  ، حدثني معاوية بن صالح  ، عن علي بن أبي طلحة  ، عن  ابن عباس  قوله : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان   )  فأخبر الله عز وجل أنه من كفر بعد إيمانه فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم ، فأما من أكره وتكلم به بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه فلا حرج عليه ، لأن الله عز وجل إنما يؤاخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم  .  [ ص: 491 ] 
وقال الله عز وجل : ( إلا أن تتقوا منهم تقاة   ) فأعذر الله عز وجل المكره ، وطرح عنه الحرج ، فغير جائز أن يلزم من تكلم بالكفر ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، الكفر ، بل هو على إيمانه ، وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرين يدلان على سقوط حكم الكفر عن المكره عليه   . 
 9659  - حدثنا  الربيع بن سليمان  ، قال : حدثنا  بشر بن بكر  ، عن  الأوزاعي  ، عن عطاء  ، عن  عبيد بن عمير  ، عن  ابن عباس  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه"   . 
 9660  - حدثنا  عبد الله بن أحمد  قال : حدثنا  خلاد بن يحيى ،  قال : حدثنا أبو عقيل  ، عن عبد الله بن عمر [بن] حفص  ، عن نافع  ، عن  [ ص: 492 ]  ابن عمر  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  "إن الله عز وجل تجاوز لي في أمتي ثلاث خصال : عن ما أخطأت ، وعن ما نسيت ، وعن ما استكرهت عليه"   . فقد روينا عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يرون طلاق المكره  شيئا ، منهم :  عمر بن الخطاب  ،  وعلي بن أبي طالب  ،  وابن عمر  ،  وابن عباس  ،  وابن الزبير  ، وبه قال  طاوس  ،  وعطاء بن أبي رباح  ، وجابر بن زيد  ،  والحسن البصري  ، وشريح  ، وعبد الله بن عبيد بن عمير  ،  وأيوب  [ ص: 493 ] السختياني  ،  ومالك بن أنس   والأوزاعي  ،  والشافعي  ،  وأحمد بن حنبل  ، وإسحاق  ،  وأبو ثور   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					