ذكر استتابة الزنديق  
اختلف أهل العلم في الزنديق يظهر عليه ، هل يستتاب أم يقتل ولا يقبل منه الرجوع ؟ فقالت طائفة : تقبل توبته إن تاب ، ويقتل إن لم يتب . 
 9661  - حدثنا  علي بن عبد العزيز  ، قال : حدثنا  حجاج بن منهال  ، قال : حدثنا حماد  ، قال : أخبرنا  سماك بن حرب  ، عن قابوس بن مخارق بن سليم  ، عن أبيه ، أن محمد بن أبي بكر  كتب إلى  علي بن أبي طالب  يسأله عن ثلاث خصال : عن مكاتب مات وترك مالا وولدا ، وقد بقي عليه شيء من مكاتبته  ، وعن زنادقة مسلمين ، وزنادقة نصارى ، وعن مسلم زنى بنصرانية . فكتب إليه علي : أما المكاتبة فتكمل مما ترك ، ويصير ما بقي ميراثا لولده . وأما زنادقة المسلمين فتعرض عليه الإسلام ، فإن أسلموا وإلا قتلوا . وأما زنادقة النصارى فيتركون وأهل دينهم . وأما المسلم الذي زنى بنصرانية فيقام عليه الحد ، وأما النصرانية فتترك وأهل دينها  .  [ ص: 494 ] 
وممن كان يرى أن يستتاب الزنديق   : عبيد الله بن الحسن  ،  والشافعي  ، قال  الشافعي   : وإنما كلف الله العباد الحكم على الظاهر من القول والفعل ، وتولى الله الثواب على السرائر دون خلقه ، وقد قال الله عز وجل لنبيه : ( إذا جاءك المنافقون   ) إلى قوله : ( فهم لا يفقهون   ) ، وقد قيل في قول الله عز وجل : ( والله [يشهد] إن المنافقين لكاذبون   ) : ما هم بمخلصين ، وفي قوله : ( آمنوا ثم كفروا   ) : ثم أظهروا الرجوع عنه . 
قال الله عز وجل : ( يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر   ) ، وفي قوله : ( اتخذوا أيمانهم جنة   ) يدل على أن إظهار الإيمان جنة من القتل ، والله ولي السرائر . 
 9662  - أخبرنا الربيع  ، قال : أخبرنا  الشافعي  ، قال : أخبرنا  يحيى بن حسان  ، عن الليث  ، عن  ابن شهاب  ، عن عطاء بن يزيد الليثي  ، عن  عبيد الله بن عدي بن الخيار  ، عن المقداد  ، أنه أخبره ، أنه قال : يا رسول الله ، أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني [فضرب إحدى يدي بسيف فقطعها] ثم لاذ مني بشجرة فقال : أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله  [ ص: 495 ] بعد أن قالها  ؟ . . . . وذكر الحديث . 
 9663  - حدثنا محمد بن مهل  ، حدثنا  عبد الرزاق  ، قال : أخبرنا  معمر  ، عن  الزهري  ، عن عطاء بن يزيد الليثي  ، عن  عبيد الله بن عدي بن الخيار  ، عن  المقداد بن الأسود  ، أنه قال : قلت : يا رسول الله ، إن اختلفت أنا ورجل من المشركين ضربتين بالسيف ، فضربني فقطع يدي ، فلما أهويت إليه لأقتله قال : لا إله إلا الله ، أقتله أم أدعه ؟ قال : "لا ، بل دعه" . قال : قلت : إنه قد قطع يدي! - قال : فراجعته مرتين أو ثلاثة - . فقال :  "إن قتلته بعد أن يقولها فأنت مثله قبل أن يقولها ، وهو مثلك قبل أن يقطع يدك"   . 
قال  الشافعي   : وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين دلالة على أمور ، منها : أن لا يقتل من أظهر التوبة ممن كفر بعد إيمان  ، ومنها : أنه حقن دماءهم وقد رجعوا إلى غير يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية ولا دين يظهرونه ، بما أظهروا الإسلام وأسروا الكفر ، فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظاهر على أحكام المسلمين ، فناكحوا المسلمين ووارثوهم ، وأسهم لمن شهد الحرب منهم ، وتركوا في مساجد المسلمين ، ولا راجع عن إيمان أبدا أشد ولا أبين كفرا ممن أخبر الله عن كفره بعد إيمانه .  [ ص: 496 ] 
قال  الشافعي   : وأحكام الله ورسوله تدل على أن ليس لأحد أن يحكم على أحد إلا بظاهر  ، والظاهر ما أقر به أو قامت به بينة عليه فيما وصفنا من المنافقين ، وفي الرجل الذي استفتى فيه المقداد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قطع يده على الشرك ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم :  "فهلا كشفت عن قلبه" ليس لك إلا ظاهره ، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين :  "إن جاءت به أحمر كأنه وحرة ، فلا أراه إلا قد كذب عليها ، وإن جاءت به أديعج جعدا ، فلا أراه إلا قد صدق" ، فجاءت به على النعت المكروه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم :  "إن أمره لبين لولا ما حكم الله" ، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم :  "إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه ، فإنما أقطع له قطعة من النار"  . 
قال  الشافعي   : ففي كل هذا دلالة بينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يقض إلا على الظاهر فالحكام بعده أولى ألا يقضوا إلا على الظاهر ، ولا يعلم السرائر إلا الله ، والظنون محرم على الناس ، ومن حكم بالظن لم يكن له ذلك ، والله أعلم .  [ ص: 497 ] 
وقالت طائفة : لا يستتابون . هذا قول  مالك بن أنس  ،  والليث بن سعد  ،  وأحمد بن حنبل  ،  وإسحاق بن راهويه   . 
قال  مالك   : من أخذ من المسلمين قد أسر دينا من الأديان من اليهودية والنصرانية وغير ذلك من الأديان قتل ولم يستتب ، كما يقتل الزنادقة ولا يستتابون ، وكان مالك يقول : من أظهر الكفر استتيب ، فإن تاب وإلا قتل ، ولم يرثه ورثته ، والذي يسر الكفر ويظهر الإسلام لا يستتاب ، يقتل على كل حال ويرثه ورثته . 
قال  مالك   : هم عندي بمنزلة المنافقين يرثهم ورثتهم ، هكذا حكاه عنه  محمد بن مسلمة  ، والذي حكي عن  أحمد بن حنبل  وإسحاق  أن الزنديق لا يستتاب   . إسحاق بن منصور   . 
وحكى الأثرم  أنه قال لأحمد   : الزنديق يستتاب ؟ قال : فقال : ما أدري . 
 9664  - حدثنا  علي بن عبد العزيز  ، قال : حدثنا  أبو النعمان  ، قال : حدثنا  حماد بن زيد  ، عن أيوب  ، عن عكرمة  ، أن  علي بن أبي طالب  أتي بزنادقة أو مرتدين فأجج لهم نارا فأحرقهم ، فبلغ ذلك  ابن عباس   [ ص: 498 ] فقال : لو كنت أنا ما أحرقتهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تعذبوا بعذاب الله أحدا ، ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه"   . 
 9665  - حدثنا محمد بن علي  ، قال : حدثنا سعيد  ، حدثنا سفيان  ، عن أيوب  ، عن عكرمة  ، عن  ابن عباس  ، أن عليا  حرق قوما ، فقال  ابن عباس   : لو كنت أنا لقتلتهم ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من بدل دينه فاقتلوه" ، ولم أحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تعذبوا بعذاب الله عز وجل"   . 
 9666  - حدثنا محمد بن علي  ، قال : حدثنا سعيد  ، قال : حدثنا هشيم  قال : أخبرنا مجالد  ، عن  الشعبي  ، قال : شهدت عليا  أتي بناس من الزط قد ارتدوا عن الإسلام أو زنادقة ، فأمر بهم علي فضربت أعناقهم وحرق أجسادهم  ، ثم قال : صدق الله ورسوله ، صدق الله ورسوله . 
قال  الشعبي   : حدثني أبو جحيفة  قال : لقيته بعدما انصرف فقلت : يا أمير المؤمنين ، رأيتك حين قتلت هؤلاء وحرقت أجسادهم قلت : صدق الله ورسوله ، أعهد النبي صلى الله عليه وسلم إليك فيهم شيئا ؟ قال : إني قد أعرف أنك ومن على مثل رأيك تعرفون ما أريد ، إني محارب ، ولكن إذا قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهناك فسلوني . 
قال  أبو بكر   : كما قال  الشافعي  أقول للحجج الذي احتج بها .  [ ص: 499 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					