آ. (3) قوله : إلا تذكرة : في نصبه أوجه، أحدها: أن تكون مفعولا من أجله. والعامل فيه فعل الإنزال، وكذلك "تشقى" علة له أيضا، ووجب مجيء الأول مع اللام لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل، ففاتته شريطة الانتصاب على المفعولية، والثاني جاز قطع اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط. هذا كلام ثم قال: "فإن قلت: "هل يجوز أن تقول: ما أنزلنا، أن تشقى كقوله "أن تحبط أعمالكم"؟ قلت: بلى، ولكنها نصبة طارئة كالنصبة في "واختار الزمخشري، موسى قومه"، وأما النصبة في "تذكرة" فهي كالتي في "ضربت زيدا" لأنه أحد المفاعيل الخمسة التي هي أصول وقوانين لغيرها".
قلت: قد منع أن تكون "تذكرة" مفعولا له لأنزلنا المذكورة، لأنها قد تعدت إلى مفعول له وهو أبو البقاء "لتشقى" فلا تتعدى إلى آخر من جنسه. وهذا المنع ليس بشيء; لأنه يجوز أن يعلل الفعل بعلتين فأكثر، وإنما هذا بناء منه على أنه لا يفضي العامل من هذه الفضلات إلا شيئا واحدا، إلا بالبدلية أو العطف.
الثاني: أن تكون "تذكرة" بدلا من محل "لتشقى" وهو رأي وتبعه الزجاج، واستبعده ابن عطية، ورده أبو جعفر، بأن التذكرة ليست [ ص: 9 ] بشقاء. وهو رد واضح. وقد أوضح الفارسي هذا فقال: "فإن قلت: هل يجوز أن تكون "تذكرة" بدلا من محل "لتشقى"؟ قلت: لا; لاختلاف الجنسين ولكنها نصبت على الاستثناء المنقطع الذي "إلا" فيه بمعنى "لكن". الزمخشري
قال الشيخ: "يعني باختلاف الجنسين أن نصبة "تذكرة" نصبة صحيحة ليست بعارضة، والنصبة التي تكون في "لتشقى" بعد نزع الخافض نصبة عارضة. والذي نقول: إنه ليس له محل البتة فيتوهم البدل منه". قلت: ليس مراد باختلاف الجنسين إلا ما ذكرته عن الزمخشري ردا على الفارسي وأي أثر لاختلاف النصبين في ذلك؟ الزجاج،
الثالث: أن يكون منصوبا على الاستثناء المنقطع أي: لكن أنزلناه تذكرة. الرابع: أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر، أي: لكن ذكرنا، أو تذكر به أنت تذكرة. الخامس: أنه مصدر في موضع الحال أي: إلا مذكرا. السادس: أنه بدل من "القرآن"، ويكون القرآن هو التذكرة، قاله السابع: أنه مفعول له أيضا، ولكن العامل فيه "لتشقى" ويكون المعنى كما قال الحوفي. "إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل متاعب التبليغ ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم، وغير ذلك من أنواع المشاق وتكاليف النبوة، وما أنزلنا عليك هذا المتعب الشاق إلا ليكون تذكرة. وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون "تذكرة" حالا ومفعولا له" انتهى. الزمخشري:
فإن قلت: من أين أخذت أنه لما جعله حالا ومفعولا له أن العامل فيه [ ص: 10 ] "لتشقى"؟ وما المانع أن يريد بالعامل فيه فعل الإنزال؟ فالجواب أن هذا الوجه قد تقدم له في قوله: "وكل واحد من " لتشقى" و "تذكرة" علة للفعل". وأيضا فإن تفسيره للمعنى المذكور منصب على تسلط "لتشقى" على "تذكرة". إلا أن لما لم يظهر له هذا المعنى الذي ظهر أبا البقاء منع من عمل "لتشقى" في "تذكرة" فقال: "ولا يصح أن يعمل فيها "لتشقى" لفساد المعنى"، وجوابه ما تقدم. ولا غرو في تسمية التعب شقاء. قال للزمخشري "والشقاء يجيء في معنى التعب. ومنه المثل: "أتعب من رائض مهر" و "أشقى من رائض مهر". الزمخشري:
و "لمن يخشى" متصل بـ "تذكرة". وزيدت اللام في المفعول تقوية للعامل لكونه فرعا، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف على أنه صفة لـ "تذكرة".