و "هارون" بدل من "وزيرا". وجوز أن يكون "هارون" عطف بيان لـ "وزيرا". ولم يذكر أبو البقاء غيره. ولما حكى الشيخ هذا [ ص: 31 ] لم يعقبه بنكير، وهو عجيب منه; فإن عطف البيان يشترط فيه التوافق تعريفا وتنكيرا، وقد عرفت أن "وزيرا" نكرة و "هارون" معرفة، الزمخشري قد تقدم له مثل ذلك في قوله تعالى: والزمخشري "فيه آيات بينات مقام إبراهيم" وقد تقدم الكلام معه هناك وهو عائد هنا.
ويجوز أن يكون "هارون" منصوبا بفعل محذوف كأنه قال: أخص من بينهم هارون أي: من بين أهلي. ويجوز أن يكون "وزيرا" مفعولا ثانيا، و "هارون" هو الأول، وقدم الثاني عليه اعتناء بأمر الوزارة. وعلى هذا فقوله "لي" يجوز أن يتعلق بنفس الجعل، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من "وزيرا"; إذ هو في الأصل صفة له. و "من أهلي" على ما تقدم من وجهيه. ويجوز أن يكون "وزيرا" مفعولا أول، و "من أهلي" هو الثاني. وقوله " لي " مثل قوله: "ولم يكن له كفوا أحد" يعنون أنه به يتم المعنى، ذكر ذلك ولما حكاه الشيخ لم يتعقبه بنكير، وهو عجيب; لأن شرط المفعولين في باب النواسخ صحة انعقاد الجملة الاسمية، وأنت لو ابتدأت بـ "وزير" وأخبرت عنه بـ "من أهلي" لم يجز إذ لا مسوغ للابتداء به. أبو البقاء.
و "أخي" بدل أو عطف بيان لـ "هارون". وقال "وإن جعل عطف بيان آخر جاز وحسن. قال الشيخ: "ويبعد فيه عطف البيان; لأن [ ص: 32 ] عطف البيان الأكثر فيه أن يكون الأول دونه في الشهرة وهذا بالعكس". قلت: لم يرد الزمخشري: أن "أخي" عطف بيان لـ "هارون" حتى يقول الشيخ إن الأول وهو "هارون"- أشهر من الثاني وهو "أخي"، إنما عنى الزمخشري أنه عطف بيان أيضا لـ "وزيرا" ولذلك قال: "آخر". ولا بد من الإتيان بلفظه ليعرف أنه لم يرد إلا ما ذكرته قال: "وزيرا الزمخشري وهارون مفعولا قوله "اجعل"، أو "لي وزيرا" مفعولاه، و "هارون" عطف بيان للوزير، و "أخي" في الوجهين بدل من "هارون"، وإن جعل عطف بيان آخر جاز وحسن". فقوله "آخر" تعين أن يكون عطف بيان لما جعله عنه عطف بيان قبل ذلك.
وجوز في "أخي" أن يرتفع بالابتداء، ويكون خبره الجملة من قوله: الزمخشري "اشدد به" ، وذلك على قراءة الجمهور له بصيغة الدعاء، وعلى هذا فالوقف على "هارون".
وقرأ "أشدد" بفتح الهمزة للمضارعة وجزم الفعل جوابا للأمر، "وأشركه" بضم الهمزة للمضارعة وجزم الفعل نسقا على ما قبله. وقرأ الباقون بحذف همزة الوصل من الأول، وفتح همزة القطع في الثاني، على أنهما دعاء من ابن عامر موسى لربه بذلك. وعلى هذه القراءة تكون هذه الجملة قد ترك فيها العطف خاصة دون ما تقدمها من جمل الدعاء.
وقرأ "أشدد" مضارع شدد بالتشديد. الحسن
[ ص: 33 ] والوزير: قيل: مشتق من الوزر وهو الثقل. وسمي بذلك لأنه يحمل أعباء الملك ومؤنه فهو معين على أمر الملك ويأتم بأمره. وقيل: بل هو من الوزر وهو الملجأ، كقوله تعالى: "لا وزر" وقال:
3287 - من السباع الضواري دونه وزر والناس شرهم ما دونه وزر كم معشر سلموا لم يؤذهم سبع
وما نرى بشرا لم يؤذهم بشر
وقيل: من المؤازرة وهي المعاونة. نقله عن الزمخشري قال: "وكان القياس أزيرا" يعني بالهمزة; لأن المادة كذلك. قال الأصمعي "فقلبت الهمزة إلى الواو ووجه قلبها إليها أن فعيلا جاء بمعنى مفاعل مجيئا صالحا كقولهم: عشير وجليس وخليط وصديق وخليل ونديم، فلما قلبت في أخيه قلبت فيه، وحمل الشيء على نظيره ليس بعزيز، ونظرا إلى يوازر وأخواته وإلى الموازرة". الزمخشري:
قلت: يعني أن وزيرا بمعنى موازر، وموازر تقلب فيه الهمزة واوا قلبا قياسيا; لأنها همزة مفتوحة بعد ضمه فهو نظير "موجل" و "يواخذكم" [ ص: 34 ] وشبهه، فحمل "أزير" عليه في القلب، وإن لم يكن فيه سبب القلب.