الثاني: أنه منصوب بقوله "ولتصنع" أي: لتربى ويحسن إليك في هذا الوقت. قال "والعامل في "إذ تمشي" "ألقيت" أو "لتصنع". وقال الزمخشري: "إذ تمشي" يجوز أن يتعلق بأحد الفعلين". قلت: يعني بالفعلين ما تقدم من ألقيت أو لتصنع. وعلى هذا فيجوز أن تكون المسألة من باب التنازع; لأن كلا من هذين العاملين يطلب هذا الظرف من حيث المعنى، [ ص: 38 ] ويكون من إعمال الثاني للحذف من الأول. وهذا إنما يتجه كل الاتجاه إذا جعلت "ولتصنع" معطوفا على علة محذوفة متعلقة بـ "ألقيت"، أما إذا جعلته متعلقا بفعل مضمر بعده فيبعد ذلك أو يمتنع، لكون الثاني صار من جملة أخرى. أبو البقاء:
الثالث: أن تكون "إذ تمشي" بدلا من "إذ أوحينا". قال "فإن قلت: كيف يصح البدل والوقتان مختلفان متباعدان؟ قلت: كما يصح - وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاه- أن يقول لك الرجل: لقيت فلانا سنة كذا، فتقول: وأنا لقيته إذ ذاك، وربما لقيه هو في أولها وأنت في آخرها". قال الشيخ: "وليس كما ذكر لأن السنة تقبل الاتساع، فإذا وقع لقيهما فيها، بخلاف هذين الظرفين فإن كل واحد منهما ضيق ليس بمتسع لتخصصهما بما أضيفا إليه، فلا يمكن أن يقع الثاني في الظرف الذي وقع فيه الأول; إذ الأول ليس متسعا لوقوع الوحي فيه ووقوع مشي الأخت، فليس وقت وقوع الفعل مشتملا على أجزاء وقع في بعضها المشي بخلاف السنة". قلت: وهذا تحمل منه عليه فإن زمن اللقي أيضا ضيق لا يسع فعليهما، وإنما ذلك مبني على التساهل; إذ المراد أن الزمان مشتمل على فعليهما. الزمخشري:
وقال "ويجوز أن يكون بدلا من "إذ" الأولى، لأن مشي أخته كان منة عليه" يعني أن قوله أبو البقاء: "إذ أوحينا" منصوب بقوله: "مننا" فإذا جعل "إذ تمشي" بدلا منه كان أيضا ممتنا به عليه.
[ ص: 39 ] الرابع: أن يكون العامل فيه مضمرا تقديره: اذكر إذ تمشي. وهو على هذا مفعول به لفساد المعنى على الظرفية.
وقرأ العامة " كي تقر " بفتح التاء والقاف. وقرأت فرقة "تقر" بكسر القاف، وقد تقدم أنهما لغتان في سورة مريم. وقرأ جناح بن حبيش "تقر" بضم التاء وفتح القاف على البناء للمفعول. "عينها" رفعا لما لم يسم فاعله.
قوله: "فتونا" فيه وجهان، أحدهما: أنه مصدر على فعول كالقعود والجلوس، إلا أن فعولا قليل في المتعدي. ومنه الشكور والكفور والثبور واللزوم. قال تعالى: "لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا". والثاني: أنه جمع فتن أو فتنة على ترك الاعتداد بتاء التأنيث كـ "حجور" و "بدور" في حجرة وبدرة أي: فتناك ضروبا من الفتن. عن أنه ولد في عام يقتل فيه الولدان، وألقته أمه في البحر، وقتل القبطي وأجر نفسه عشر سنين، وضل عن الطريق، وتفرقت غنمه في ليلة مظلمة. ولما سأل ابن عباس: عن ذلك أجابه بما ذكرته، وصار يقول عند كل واحدة: فهذه فتنة يا سعيد بن جبير قال معناه ابن جبير. وقال غيره: بفتون من الفتن - أي المحن- تختبر بها. الزمخشري.
[ ص: 40 ] قوله: "على قدر" متعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل "جئت" أي: جئت موافقا لما قدر لك. كذا قدره وهو تفسير معنى. والتفسير الصناعي: ثم جئت مستقرا أو كائنا على مقدار معين. كقول الآخر: أبو البقاء،
3288 - نال الخلافة أو جاءت على قدر كما أتى ربه موسى على قدر