قوله: "يبسا" صفة لـ "طريقا" وصفه به لما يؤول إليه; لأنه لم يكن يبسا بعد، إنما مرت عليه الصبا فجففته، كما يروى في التفسير. وهل في الأصل مصدر وصف به مبالغة، أو على حذف مضاف أو جمع يابس كخادم وخدم، وصف به الواحد مبالغة كقوله:
3307 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . ومعى جياعا
أي: كجماعة جياع، وصف به لفرط جوعه؟
وقرأ "يبسا" بالسكون. وهو مصدر أيضا. وقيل: المفتوح اسم، والساكن مصدر. وقرأ الحسن أبو حيوة "يابسا" اسم فاعل.
قوله: "لا تخاف" العامة على "لا تخاف" مرفوعا، وفيه أوجه، أحدها: أنه مستأنف فلا محل له من الإعراب. الثاني: أنه في محل نصب على الحال من فاعل "اضرب" أي: اضرب غير خائف. والثالث: أنه صفة لـ "طريقا"، والعائد محذوف أي لا تخاف فيه.
[ ص: 82 ] [وقرأ] وحده من السبعة "لا تخف" بالجزم على النهي. وفيه أوجه، أحدها: أن يكون نهيا مستأنفا. الثاني: أنه نهي أيضا في محل نصب على الحال من فاعل "اضرب" أو صفة لطريقا، كما تقدم في قراءة العامة، إلا أن ذلك يحتاج إلى إضمار قول أي: مقولا لك، أو طريقا مقولا فيها: لا تخف. كقوله: حمزة
3308 - جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط ...
الثالث: مجزوم على جواب الأمر أي: إن تضرب طريقا يبسا لا تخف.
قوله: "ولا تخشى" لم يقرأ إلا ثابت الألف. وكان من حق من قرأ "لا تخف" جزما أن يقرأ "لا تخش" بحذفها، كذا قال بعضهم. وليس بشيء لأن القراءة سنة. وفيها أوجه أحدها: أن تكون حالا. وفيه إشكال: وهو أن المضارع المنفي بـ "لا" كالمثبت في عدم مباشرة الواو له. وتأويله على حذف مبتدأ أي: وأنت لا تخشى كقوله:
3309 - . . . . . . . . . . نجوت وأرهنهم مالكا
والثاني: أنه مستأنف. أخبره تعالى أنه لا يحصل له خوف. والثالث: أنه مجزوم بحذف الحركة تقديرا كقوله:
3310 - إذا العجوز غضبت فطلق ولا ترضاها ولا تملق
[ ص: 83 ] وقول الآخر:
3311 - . . . . . . . . . . . كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
ومنه "فلا تنسى" في أحد القولين، إجراء لحرف العلة مجرى الحرف الصحيح. وقد تقدم لك من هذا جملة صالحة في سورة يوسف عند "من يتق". والرابع: أنه مجزوم أيضا بحذف حرف العلة. وهذه الألف ليست تلك، أعني لام الكلمة، إنما هي ألف إشباع أتي بها موافقة للفواصل ورؤوس الآي، فهي كالألف في قوله: "الرسولا" و "السبيلا" و "الظنونا" وهذه الأوجه إنما يحتاج إليها في قراءة جزم "لا تخف". وأما من قرأه مرفوعا فهذا معطوف عليه.
وقرأ أبو حيوة "دركا" بسكون الراء. والدرك والدرك [اسمان] من الإدراك أي: لا يدركك فرعون وجنوده. وقد تقدم الكلام عليهما في سورة النساء، وإن الكوفيين قرؤوه بالسكون كأبي حيوة هنا.