قوله: "كانتا" الضمير يعود على السماوات والأرض بلفظ التثنية، والمتقدم جمع. وفي ذلك أوجه أحدها: ما ذكره فقال: "وإنما قيل "كانتا" دون "كن" لأن المراد جماعة السماوات وجماعة الأرضين. ومنه قولهم: "لقاحان سوداوان" أي: جماعتان. فعل في المضمر نحو ما فعل في المظهر. الثاني: قال الزمخشري "الضمير يعود على الجنسين". الثالث: قال أبو البقاء: "قال: كانتا رتقا والسماوات جمع لأنه أراد الصنفين. قال الحوفي: الأسود ابن [ ص: 148 ] يعفر:
3336 - إن المنية والحتوف كلاهما يوفي المخارم يرقبان سوادي
لأنه أراد النوعين، وتبعه في هذا فقال: "وقال: "وكانتا" من حيث هما نوعان. ونحوه قول ابن عطية عمرو بن شييم:
3337 - ألم يحزنك أن حبال قيس وتغلب قد تباينتا انقطاعا
ورتقا: خبر. ولم يثن لأنه في الأصل مصدر. ثم لك أن تجعله قائما مقام المفعول كالخلق بمعنى المخلوق، أو تجعله على حذف مضاف أي: ذواتي رتق. وهذه قراءة الجمهور.
وقرأ الحسن وزيد بن علي وأبو حيوة "رتقا" بفتح التاء وفيه وجهان، أحدهما: أنه مصدر أيضا، ففيه الوجهان المتقدمان في الساكن التاء. والثاني: أنه فعل بمعنى مفعول كالقبض والنقض بمعنى المقبوض والمنقوض، وعلى هذا فكان ينبغي أن يطابق بخبره في التثنية. وأجاب وعيسى عن ذلك فقال: "هو على تقدير موصوف أي: كانتا شيئا رتقا". ورجح بعضهم [ ص: 149 ] المصدرية بعدم المطابقة في التثنية، وقد عرفت جوابه. وله أن يقول: الأصل عدم حذف الموصوف فلا يصار إليه دون ضرورة. الزمخشري
والرتق: الانضمام. ارتتق حلقه: أي: انضم. وامرأة رتقاء أي: منسدة الفرج، فلم يمكن جماعها من ذلك. والفتق: فصل ذلك المرتتق، وهو من أحسن البديع هنا; حيث قابل الرتق بالفتق. قال "فإن قلت: متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أنه وارد في القرآن الذي هو معجز في نفسه، فقام مقام المرئي المشاهد. والثاني: أن تلاصق السماء والأرض وتباينهما كلاهما جائز في العقل فلا بد للتباين دون التلاصق من مخصص وهو القديم سبحانه". الزمخشري:
قوله: "وجعلنا من الماء كل شيء حي" يجوز في "جعل" هذه أن تكون بمعنى "خلق" فتتعدى لواحد وهو كل شيء، و "من الماء" متعلق بالفعل قبله. ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من "كل شيء" لأنه في الأصل يجوز أن يكون وصفا له، فلما قدم عليه نصب على الحال. ومعنى خلقه من الماء أحد شيئين: إما شدة احتياج كل حيوان للماء فلا يعيش بدونه، وإما لأنه مخلوق من النطفة التي تسمى ماء. ويجوز أن تكون "جعل" بمعنى صير فتتعدى لاثنين، ثانيهما الجار بمعنى: أنا صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا بد له منه.
والعامة على خفض "حي" صفة لشيء. وقرأ حميد بنصبه على أنه مفعول ثان لـ جعلنا. والظرف لغو. ويبعد على هذه القراءة أن يكون "جعل" بمعنى "خلق"، وأن ينتصب "حيا" على الحال.