وقرأ أبو رجاء "للذكرى" بلام التعريف وألف التأنيث. وبعضهم "لذكرى" منكرة، وبعضهم "للذكر" بالتعريف والتذكير. والسلمي
قوله: أكاد أخفيها العامة على ضم الهمزة من "أخفيها". وفيها تأويلات، أحدها: أن الهمزة في "أخفيها" للسلب والإزالة أي: أزيل خفاءها نحو: أعجمت الكتاب أي: أزلت عجمته. ثم في ذلك معنيان، أحدهما: أن الخفاء بمعنى الستر، ومتى أزال سترها فقد أظهرها. والمعنى: أنها لتحقق وقوعها وقربها أكاد أظهرها لولا ما تقتضيه الحكمة من التأخير. والثاني: أن الخفاء هو الظهور كما سيأتي. والمعنى: أزيل ظهورها، وإذا أزال ظهورها فقد استترت. والمعنى: أني لشدة إبهامها أكاد أخفيها فلا أظهرها البتة، وإن كان [ ص: 20 ] لا بد من إظهارها; ولذلك يوجد في بعض المصاحف كمصحف أكاد أخفيها من نفسي فكيف أظهركم عليها؟ وهو على عادة أبي: العرب في المبالغة في الإخفاء قال:
3277 - أيام تصحبني هند وأخبرها ما كدت أكتمه عني من الخبر
وكيف يتصور كتمانه من نفسه؟
والتأويل الثاني: أن "كاد" زائدة. قاله وأنشد غيره شاهدا عليه قول ابن جبير. زيد الخيل:
3278 - سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه فما إن يكاد قرنه يتنفس
وقال آخر:
3279 - وألا ألوم النفس فيما أصابني وألا أكاد بالذي نلت أبجح
ولا حجة في شيء منه.
[ ص: 21 ] والتأويل الثالث: أن الكيدودة بمعنى الإرادة ونسبت وجماعة، ولا ينفع فيما قصدوه. للأخفش
والتأويل الرابع: أن خبرها محذوف تقديره: أكاد آتي به لقربها. وأنشدوا قول ضابئ البرجمي:
3280 - هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله
أي: وكدت أفعل، فالوقف على "أكاد"، والابتداء بـ "أخفيها"، واستحسنه أبو جعفر.
وقرأ أبو الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد "أخفيها" بفتح الهمزة. والمعنى: أظهرها، بالتأويل المتقدم يقال: خفيت الشيء: أظهرته، وأخفيته: سترته، هذا هو المشهور. وقد نقل عن أبي الخطاب أن خفيت وأخفيت بمعنى. وحكي عن أن "أخفى" من الأضداد يكون بمعنى أظهر وبمعنى ستر، وعلى هذا تتحد القراءتان. ومن مجيء خفيت بمعنى أظهرت قول أبي عبيد امرئ القيس:
[ ص: 22 ]
3281 - خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من عشي مجلب
وقول الآخر:
3282 - فإن تدفنوا الداء لا نخفه وإن توقدوا الحرب لا نقعد
قوله: "لتجزى" هذه لام كي، وليست بمعنى القسم أي: لتجزين كما نقله عن بعضهم. وتتعلق هذه اللام بـ "أخفيها". وجعلها بعضهم متعلقة بـ "آتية" وهذا لا يتم إلا إذا قدرت أن "أكاد أخفيها" معترضة بين المتعلق والمتعلق به، أما إذا جعلتها صفة لآتية فلا يتجه على مذهب البصريين; لأن اسم الفاعل متى وصف لم يعمل، فإن عمل ثم وصف جاز. أبو البقاء
وقال "وقيل بـ "آتية"، ولذلك وقف بعضهم عليه وقفة يسيرة إيذانا بانفصالها عن أخفيها". أبو البقاء:
قوله: "بما تسعى" متعلق بـ "تجزى". و "ما" يجوز أن تكون مصدرية أو موصولة اسمية، ولا بد من مضاف أي: تجزى بعقاب سعيها أو بعقاب ما سعته.