الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
64 - باب إظهار دين النبي صلى الله عليه وسلم على الأديان

18453 - أخبرنا أبو سعيد، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي قال: قال الله جل ثناؤه: ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) .

18454 - أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقون كنوزهما في سبيل الله" رواه مسلم في الصحيح عن عمرو الناقد وغيره، عن سفيان وأخرجاه من وجه آخر عن الزهري [ ص: 351 ] .

18455 - قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد ، ولما أتي كسرى بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم مزقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمزق ملكه"، وحفظنا أن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه في مسك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثبت ملكه".

18456 - قال الشافعي: وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فتح فارس والشام ، فأغزى أبو بكر الشام على ثقة من فتحها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففتح بعضها وتم فتحها زمان عمر، وفتح عمر العراق، وفارس.

18457 - قال الشافعي: فقد أظهر الله جل ثناؤه دينه الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم على الأديان بأن لكل من سمعه أنه الحق، وما خالفه من الأديان باطل، وأظهره بأن جماع الشرك دينان: دين أهل الكتاب، ودين الأميين، فقهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعا وكرها، وقبل من أهل الكتاب وسبى حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين، وجرى عليهم حكمه صلى الله عليه وسلم وهذا ظهوره على الدين كله.

18458 - قال الشافعي: وقد يقال: ليظهرن الله دينه على الأديان حتى لا يدان الله إلا به، وذلك متى شاء الله قال: وكانت قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا، وكان كثير من معاشها منه، وتأتي العراق، فيقال: لما دخلت في الإسلام ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم خوفها من انقطاع معاشها من الشام ، والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام مع خلاف ملك الشام ، والعراق لأهل الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 352 ] : "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده"، فلم يكن بأرض العراق كسرى ثبت له أمر بعده، وقال: "إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده"، فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده، وأجابهم على ما قالوا له، وكان كما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقطع الله الأكاسرة عن العراق ، وفارس، وقيصر ومن قام بعده بالأمر بعده عن الشام .

18459 - وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كسرى: "مزق الله ملكه"، فلم يبق للأكاسرة ملك، وقال في قيصر: "ثبت ملكه"، فثبت له ملك بلاد الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام .

18460 - وكل هذا متفق يصدق بعضه بعضا.

[ ص: 353 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية