الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
43 - باب ما أحرزه المشركون على المسلمين

18175 - أخبرنا أبو سعيد، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: سألت الشافعي رحمه الله عن العدو يأبق إليهم العبد، أو يشرد إليهم البعير، أو يغيرون فينالونهما أو يملكونهما أسهما؟ قال: "لا".

18176 - فقلت للشافعي: إذا ظهر عليهم المسلمون فجاء أصحابهما قبل أن يقتسما؟ فقال: هما لصاحبهما.

18177 - فقلت: أرأيت إن وقعا في المقاسم؟ فقال: قد اختلف فيهما المفتون: فمنهم من قال: هما قبل المقاسم وبعدها سواء لصاحبهما ومنهم من قال: هما لصاحبهما قبل المقاسم، فإذا وقعت المقاسم وصارا في سهم رجل فلا سبيل إليهما ومنهم من قال: صاحبهما أحق بهما ما لم يقسمها، فإذا قسما فصاحبهما أحق بهما بالقيمة [ ص: 281 ] .

18178 - قال الشافعي: ودلالة السنة فيما أرى، والله أعلم، مع من قال: هو لمالكه قبل القسم وبعده، فأما القياس فمعه لا شك، والله أعلم.

18179 - فقلت للشافعي: فاذكر السنة فيه، فقال: أخبرنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن الحصين قال: سبيت امرأة من الأنصار ، وكانت الناقة قد أصيبت قبلها.

18180 - قال الشافعي: كأنه يعني ناقة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن آخر الحديث يدل على ذلك قال عمران بن حصين: فكانت تكون فيهم، وكانوا يجيئون بالنعم إليهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل، فجعلت كلما أتت بعيرا منها فمسته رغا فتتركه، حتى أتت تلك الناقة فمستها فلم ترغ، وهي ناقة هدرة، فقعدت في عجزها ثم صاحت بها فانطلقت، فطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها، فجعلت لله عليها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت عرفوا الناقة وقالوا: ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنها قد جعلت لله عليها لتنحرنها، فقالوا: والله لا تنحريها حتى يؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوه فأخبروه أن فلانة قد جاءت على ناقتك، وأنها قد جعلت لله عليها إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله بئسما جزتها، إن أنجاها الله عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد"، أو قال: "ابن آدم" [ ص: 282 ] وأخبرنا أبو عبد الله، وأبو بكر، وأبو زكريا، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا عبد الوهاب الثقفي، فذكروا هذا الحديث بهذا الإسناد واللفظ أخرجه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الوهاب.

18181 - وأخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان، وعبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين، أن قوما أغاروا فأصابوا امرأة من الأنصار وناقة للنبي صلى الله عليه وسلم، فكانت المرأة والناقة عندهم، ثم انفلتت المرأة فركبت الناقة فأتت المدينة، فعرفت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني نذرت إن أنجاني الله عليها لأنحرنها، فمنعوها أن تنحرها حتى يذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: "بئسما جزيتيها، إن أنجاك الله عليها أن تنحريها، لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم".

18182 - وقالا معا، أو أحدهما في الحديث: وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته.

18183 - قال أحمد: وهذه الزيادة أيضا فيما.

18184 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا يحيى بن أبي طالب، أخبرنا علي بن عاصم، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين قال: فقدت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء، فإذا هم بها صباح يوم وامرأة قد أناختها تريد أن تنحرها، فذهبوا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما شأنك؟" قالت: أنا من المسلمين ممن حول المدينة، سباني المشركون وبنتا لي، فشدونا وثاقا فحللت من الليل وثاقي، فأتيت ابنتي لأحلها فلم أستطع حلها، فأتيت الإبل فأخذت أسكنها بعيرا، فركبت عليه وجعلت لله علي إن نجاني الله أن أنحرها قال: "بئس ما جزيتيها، لا نذر لابن آدم فيما لا يملك"، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته، وخلى عن المرأة [ ص: 283 ] .

18185 - قال الشافعي رحمه الله في روايتنا عن أبي سعيد وحده: فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته بعدما أحرزها المشركون، وأحرزتها الأنصارية على المشركين، ولو كانت الأنصارية أحرزت عليهم شيئا ليس لمالك كان لها في قولنا أربعة أخماسه، وخمس لأهل الخمس وفي قول: غير ما كان لها ما أحرزت لا خمس فيه ، وقد أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تملك ماله بلا قيمة.

18186 - قال أحمد: قال قائل: إنما لم يصح نذرها لأنها قالت ذلك وهي في دار الحرب، وما لم ينج بها إلى دار الإسلام لم تملكها قيل له: أليس قد نجت إلى دار الإسلام فوجب أن يبطل نذرها بملكها على أصلك، ولم يجز النبي صلى الله عليه وسلم إبطال ملكها إلا بأن يدفع إليها قيمتها، فلما لم ينقل في شيء من الأخبار أنه غرم لها قيمتها دل أنها لم تملكها قط، ولأن ظاهر الخبر أنها هربت عليها وطلبت من ليلتها فلم تقدر عليها فحينئذ نذرت، والغالب أنها كانت قد دخلت دار الإسلام لقرب الشرك من دار الإسلام يومئذ، إلا أنها خشيت خروجهم في أثرها في الصحراء فنذرت، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم نذرها وأخبر بأنها نذرت ما لم تملك، ومن ذهب إلى وقوع الطلاق في الملك إذا عقد قبله مضافا إليه لزمه أن يقول بلزوم النذر في الملك إذا عقد قبله مضافا إليه، وهاهنا قد أضافت نذرها إلى أن تنجو عليها، وإنما يكون ذلك عنده إذا دخلت دار الإسلام وملكها، وهو لا يقول ذلك.

18187 - أخبرنا أبو سعيد، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا الثقة، عن نافع، عن ابن عمر، "أن عبدا له أبق وفرسا له غار فأحرزه المشركون، ثم أحرزه عليهم المسلمون فردا بلا قيمة".

18188 - وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، حدثنا ابن نمير، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: "ذهب فرس له فأخذه العدو، فظهر عليهم المسلمون، فرد عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبق عبد له فلحق بالروم، فظهر عليه المسلمون، فرده عليه خالد بن الوليد ، يعني بعد النبي صلى الله عليه وسلم" [ ص: 284 ] أخرجه البخاري في الصحيح فقال: وقال ابن نمير، فذكره.

18189 - قال الشافعي في القديم: ولو كان العدو مالكين لم يكن لهم رده؛ لأن الله تعالى قد جعل الخمس من الغنيمة لابن السبيل واليتيم، وفي ردهم ذلك إلى ابن عمر ترك لإخراج الخمس منه.

18190 - أخبرنا أبو سعيد، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا الثقة، عن مخرمة بن بكير، عن أبيه، - لا أحفظ عمن رواه - أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال فيما أحرز العدو من مال المسلمين مما غلبوا عليه أو أبق إليهم ثم أحرزه المسلمون: "مالكوه أحق به قبل القسم وبعده".

18191 - قال الشافعي: وإن اقتسم فلصاحبه أخذه، وعوض الذي صار في سهمه قيمته من خمس الخمس.

18192 - وذكر الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه حديث علي بن الجعد، عن شريك، عن الركين بن الربيع، عن أبيه، "أن فرسا له غار إلى المشركين فصار في الخمس، فأتيت سعدا فأخبرته فدفعه إلي".

18193 - أخبرناه الإمام أبو الفتح، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم البغوي، أخبرنا علي بن الجعد، فذكره بإسناده ومعناه، إلا أنه قال: فوجده في مربط سعد [ ص: 285 ] .

18194 - وقد رويناه عن زائدة، عن الركين بن الربيع، عن أبيه قال: فرده علينا بعد ما قسم، وصار في خمس الإمارة.

18195 - قال الشافعي في القديم: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مال المسلم لا يحل إلا بطيب نفس منه، وقال: "دماؤكم وأموالكم حرام"، وبسط الكلام فيه.

18196 - قال: فإن احتج بأن تميم بن طرفة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم في رجل اشترى بعيرا قد أحرزه العدو أن صاحبه يأخذه بالثمن، قيل له: تميم بن طرفة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه.

18197 - والمرسل لا تثبت به حجة؛ لأنه لا يدرى عمن أخذه.

18198 - أخبرنا أبو عبد الله، وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي قال: قال أبو يوسف: حدثنا الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد وبعير أحرزهما العدو ثم ظفر بهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبهما: "إن أصبتهما قبل القسمة فهما لك بغير شيء، وإن أصبتهما بعد القسمة فهما لك بالقيمة".

18199 - قال أحمد: هكذا وجدته عن أبي يوسف، عن الحسن بن عمارة، ورواه غيره عن الحسن بن عمارة، عن عبد الملك الزراد، عن طاوس، عن ابن [ ص: 286 ] عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعير واحد وهذا الحديث يعرف بالحسن بن عمارة، وهو متروك لا يحتج به.

18200 - ورواه مسلمة بن علي، عن عبد الملك، وهو أيضا ضعيف.

18201 - وروي بإسناد آخر مجهول عن عبد الملك، ولا يصح شيء من ذلك.

18202 - وروي من وجه آخر عن ابن عمر، وإنما رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وياسين بن معاذ الزيات على اختلاف بينهما في لفظه، وكلاهما متروك لا يحتج به.

18203 - قال الشافعي في القديم: واحتج محتج بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "من أدرك ما أحرز العدو قبل أن يقسم فهو له، وما قسم فلا حق له فيه إلا بالقيمة".

18204 - قال الشافعي: فيقال له: هذا إنما روي عن الشعبي، عن عمرو، عن رجاء بن حيوة، عن عمر مرسلا.

18205 - وذكره في موضع آخر من حديث عبد الوهاب، عن ابن أبي عروبة، عن أبي حريز، عن الشعبي، أن عمر قال: "من أدرك ما أحرزه العدو من ماله قبل أن يقسم فهو له، وإن قسم له فلا سبيل له عليه إلا بالقيمة".

18206 - ومن حديث ابن علية، عن عمر، أو عن أبي عبيدة قال الشافعي: وكلاهما لم يدرك عمر، ولا قارب ذلك.

18207 - قال أحمد: وقد قيل: عن رجاء، عن قبيصة بن ذؤيب، عن عمر، وهو أيضا مرسل [ ص: 287 ] .

18208 - قال الشافعي: والمرسل قد يكون عن المجهول، والمجهول لا تقوم به حجة، وحديث سعد أثبت من الحديث عن عمر لأنه عن الركين، عن أبيه، أن سعدا فعله به، والحديث عن عمر مرسل.

التالي السابق


الخدمات العلمية