الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
17439 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو عمرو الحيوي قال: أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن هشام، عن قتادة، عن أنس، "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب في الخمر بالنعال، والجريد أربعين" [ ص: 54 ] وأبو بكر ضرب أربعين، فلما ولي عمر سئل عن ذلك فشاورهم عمر ، فقال ابن عوف: أرى أن تضربه ثمانين، فضربه ثمانين رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة.

17440 - ورواه همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد سكر قال: "فأمر قريبا من عشرين رجلا، فجلده كل رجل جلدتين بالجريد والنعال".

17441 - وهذا يوافق رواية هشام في العدد، وهذا القائل ذكر هذا الحديث من وجه آخر وبلفظ آخر محتجا به في أنه لم يكن فيه جلد معلوم حتى كان زمن عمر رضي الله عنه.

17442 - وإذا كان أنس بن مالك يخبر في روايته بأنه جلده بجريدتين نحوا من الأربعين.

17443 - وفي روايتنا بأنه كان يضرب أربعين.

17444 - وأبو بكر ضرب أربعين [ ص: 55 ] .

17445 - وعلي في الحديث الأول يخبر بأنه جلد أربعين.

17446 - وأبو بكر الصديق سأل من حضره، فقومه أربعين.

17447 - وجلد هو أربعين.

17448 - وجلد عمر صدرا من خلافته أربعين.

17449 - وحين تكلم فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكروا جلد أربعين، وقال فيه سائلهم: إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فيه، يعني العقوبة المعهودة المعروفة بينهم، وهي أربعون، أفلا يكون هذا معلوما؟ ولئن صار الثمانون حدا معلوما بتوقيت الصحابة في أيام عمر، فلم لم تصر الأربعون حدا معلوما بتقويم الصحابة في أيام أبي بكر، وتحريهم في ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه بين يديه؟.

17450 - بل هذا أولى أن يكون حدا مؤقتا بتوقيتهم، فلم يعدل عنه أبو بكر حياته.

17451 - وقد روينا عن عمر، أنه بعد توقيتهم إذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه الزلة ضربه أربعين، وجلد عثمان بعده ثمانين، وجلد أربعين، وجلد علي أربعين.

17452 - وكل هذا يدل على أن الحد الموقت في الخمر أربعون، وأنهم لم يوقتوه بالثمانين حدا، وأن الزيادة التي زادها إنما هي على وجه التعزير، وقد أشار علي إلى علة التعزير فيما أشار به على عمر.

17453 - وفي قول علي رضي الله عنه فيمن مات في حد الخمر: وديناه، دليل بين على أنهم لم يجتمعوا على الثمانين حدا، إذ لو كانوا وقتوه بالثمانين لم يجب فيمن مات منه دية، وإنما أراد - والله أعلم - عندنا: إذا مات في الأربعين الزائدة [ ص: 56 ] .

17454 - وقوله: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه، يعني لم يسن فوق الأربعين، أو لم يسن ضربه بالسياط، وقد سنه بالجريد والنعال وأطراف الثياب.

17455 - ونحن هكذا نقول: لا نخالف منه شيئا بتوفيق الله وبعصمته.

17456 - والذي يحتج به في إبطال حديث ابن المنذر لا نقول به، ولا نرى فيمن مات منه دية.

17457 - وهذا دأبه في بعض ما لا نقول به من الأحاديث الصحيحة يجتهد في إبطاله بحديث آخر، فإذا نظرنا في ذلك الحديث الآخر وجدناه لا يقول به أيضا، فكيف نحتج به في إبطال غيره؟ فإن قال: روي عن علي أنه جلد الوليد بالمدينة بسوط له طرفان أربعين، فيكون ذلك ثمانين.

17458 - وذكر ما: أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، حدثنا الشافعي، أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمد بن علي ، أن علي بن أبي طالب، "جلد الوليد بسوط له طرفان".

17459 - وأخبرنا أبو سعيد في موضع آخر، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: أخبرنا سفيان بن عيينة، فذكره، وذكر فيه أربعين.

17460 - قلنا: هذا حديث منقطع وقد روينا في الحديث الثابت، أنه أمر به فجلد أربعين جلدة، وهذا يشبه أن لا يخالفه أن يكون جلده بكل طرف عشرين، فيكون الجميع أربعين ، [ ص: 57 ] .

17461 - وهذا هو المراد بما روي في حديث شعبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم "أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحوا من أربعين، أي بهما صار العدد أربعين".

17462 - وهذا بين في رواية همام عن قتادة، وقد مضى ذكره، ولأنه خالف بينه وبين ما أشار به عبد الله على عمر، ولو كان المراد بالأول ثمانين لم يكن بينهما مخالفة.

17463 - وكذلك علي رضي الله عنه لما جلد الوليد بهذا السوط - إن كان ثابتا - أربعين قال في الحديث الثابت: "جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين" وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة.

17464 - وقال في رواية عبد العزيز بن المختار: وهذا أحب إلي، فلولا أنه اقتصر على الأربعين لم يقل: وهذا أحب إلي، والله أعلم.

[ ص: 58 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية