الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
17347 - وكيف يمكن حمل أحاديث على تحريم مقدار ما يسكر والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل شراب أسكر فهو حرام"؟ فعم، الشراب الذي يسكر [ ص: 27 ] بالتحريم وقال: "كل مسكر خمر" فسماه خمرا، ثم سماه حراما فقال: "وكل مسكر حرام"، فحرم بتحريمه، ودخل بتسميته خمرا تحت قوله: ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) ، ثم منع تأويل المتأولين وتحريف المحرفين فقال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" هكذا روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

17348 - وفي حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره".

17349 - وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، حدثنا الأسفاطي يعني عباس بن الفضل، حدثنا سعيد بن منصور، عن مهدي بن ميمون، عن أبي عثمان الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مسكر حرام، وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام" [ ص: 28 ] رواه أبو داود في كتاب السنن عن مسدد وموسى بن إسماعيل، عن مهدي بن ميمون.

17350 - وأبو عثمان مولى الأنصار قاضي مرو اسمه: عمر بن سالم، وقيل: عمرو، قاله البخاري.

17351 - قال أحمد: والأخبار المطلقة في النبيذ لا يحتج بها من عرف صفة أنبذتهم.

17352 - وروينا في الحديث الثابت، عن عائشة ، أنها قالت: "كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكى أعلاه، ينبذ غدوة فيشربه عشاء، وينبذ عشاء فيشربه غدوة".

17353 - وفي رواية أخرى: فإن فضل شيء صببته.

17354 - وفي حديث عبد الله الديلمي، عن أبيه قال: قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم: ما نصنع بالزبيب؟ قال: "انبذوه على غدائكم، ولا تنبذوه في القلل، فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلا".

[ ص: 29 ] 17355 - وفي حديث يحيى بن عبيد الله البهراني قال: سئل ابن عباس، عن الطلاء، فقال: إن النار لا تحل شيئا ولا تحرمه قال: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبذ له الزبيب من الليل في السقاء، فإذا أصبح شربه يومه وليلته، ومن الغد، فإذا كان مساء الثالث شربه أو سقاه الخدم، فإن فضل شيء أهراقه" أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم، أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن يحيى بن عبيد أبي عمر البهراني، فذكره رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق.

17356 - ورواه زيد بن أبي أنيسة، عن يحيى بن عبيد في يومين.

17357 - ورواه شعبة، عن يحيى، واختلف عليه، فقيل: عنه في يومين وقيل: في ثلاثة.

17358 - وكل ذلك دون الأيام التي يخشى فيها شدتها، وعائشة أعلم بشرابه، ومع روايتها رواية ابن الديلمي.

17359 - وعلى هذا الوجه كان ينبذ عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة.

17360 - وروينا عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: "كان النبيذ الذي يشرب عمر كان ينقع له الزبيب غدوة، فيشربه عشية، وينقع له عشية فيشربه غدوة، ولا يجعل فيه دردي" [ ص: 30 ] .

17361 - وأما الذي روي عن عمر أنه أتي بشراب فوجده قد اشتد فقال: اكسروه بالماء، فقد قال عبيد الله بن عمر: إنما كسر عمر النبيذ من شدة حلاوته.

17362 - قال أحمد: والذي يدل على هذا، أنه روي عن ابن عمر أن عمر انتبذ له في مزادة، فذاقه فوجده حلوا.

17363 - والذي روي عن عمر، أنه دعا بشراب فذاقه فقبض وجهه، ثم دعا بماء فصب عليه ثم شرب فقد قال نافع: والله ما قبض عمر وجهه عن الإداوة حين ذاقها إلا أنها تخللت.

17364 - وروينا عن ابن المسيب، معناه.

17365 - وقال عتبة بن فرقد: "كان النبيذ الذي شربه عمر قد تخلل".

17366 - وأما الذي روي عن ابن عباس قال: "حرمت الخمر بعينها، القليل منها والكثير، والسكر من كل شراب" فالمراد به: والمسكر من كل شراب ".

17367 - فكذلك رواه أحمد بن حنبل قال: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا [ ص: 31 ] شعبة، عن مسعر، عن أبي عون، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس قال: "حرمت الخمر بعينها، والمسكر من كل شراب" أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو الوليد، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أحمد بن حنبل ، فذكره.

17368 - وكذلك رواه موسى بن هارون، عن أحمد، وقال: هذا هو الصواب عن ابن عباس ، فقد روى عنه طاوس وعطاء ومجاهد، أنه قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام".

17369 - وفي "الغريبين" في تفسير السكر قال: هو خمر الأعاجم، ويقال لما أسكر: السكر.

17370 - والذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اشربوا، ولا تسكروا" خطأ في [ ص: 32 ] الرواية والصحيح رواية ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكرا".

17371 - والذي روي عن ابن مسعود، "كل مسكر حرام" هي الشربة التي تسكرك فإنما رواه الحجاج بن أرطاة، عن حماد ، عن إبراهيم، عن ابن مسعود، والحجاج لا يحتج به.

17372 - وذكر ذلك لعبد الله بن المبارك فقال: هذا باطل، وإنما قال ذلك لأن ابن المبارك يروي عن الحسن بن عمرو الفقيمي، عن فضيل بن عمرو، عن إبراهيم قال: كانوا يقولون: إذا سكر من شراب لم يحل له أن يعود فيه أبدا.

17373 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا الحسن بن علي بن زياد، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: قال زكريا بن عدي: لما قدم ابن المبارك الكوفة، فذكر قصة وذكر فيها هذه الرواية [ ص: 33 ] .

17374 - فكيف يكون عند إبراهيم قول ابن مسعود هكذا، ثم يخالفه، فدل على بطلان ما رواه الحجاج بن أرطاة.

17375 - وروينا عن ابن عباس في قوله: ( تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ) قال: "السكر ما حرم من ثمرتها، والرزق الحسن ما حل من ثمرتها" أخبرناه أبو نصر بن قتادة، أخبرنا منصور النضروي حدثنا أحمد بن نجدة، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا أبو عوانة، وأبو الأحوص، وسفيان، وشريك، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، عن ابن عباس ، فذكره.

17376 - وروينا عن سعيد بن جبير قال: " السكر: الحرام، وقال مرة: "الخمر، والرزق الحسن الحلال".

17377 - وروينا عن مغيرة، عن إبراهيم، والشعبي، وأبي رزين في قوله: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا، قالوا: "هي منسوخة".

17378 - وعن مجاهد قال: " السكر: الخمر قبل تحريمها، والرزق الحسن طعامه " [ ص: 34 ] .

17379 - وعن الشعبي، أنه سئل عنها فقال: "هذه مكية، حرمت الخمر بعدها".

17380 - وعن قتادة قال: "هي خمور الأعاجم، ونسخت في سورة المائدة".

[ ص: 35 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية