الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
31 - قطع الشجر وحرق المنازل

18025 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، حدثنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي: " كل ما كان مما يملكون لا روح فيه، فإتلافه بكل وجه مباح.

18026 - ثم ساق الكلام إلى أن قال: قال الله تبارك وتعالى في بني النضير حين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب ) الآية إلى ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) ، فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم، وإخراب المؤمنين بيوتهم، ووصفه إياه تبارك وتعالى كالرضا به ".

18027 - وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع ألوان من ألوان نخلهم، فأنزل الله رضا بما صنعوا من قطع نخيلهم: ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ) ، فرضي القطع وأباح الترك ".

18028 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي، وأبو بكر بن الحسن القاضي، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع [ ص: 236 ] ، أخبرنا الشافعي، أخبرنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، "أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق، وهي البويرة" أخرجه البخاري، ومسلم في الصحيح من حديث موسى بن عقبة وغيره، وذكر بعضهم نزول الآية فيه، وذكره الشافعي في موضع آخر من رواية أبي سعيد .

18029 - أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "حرق أموال بني النضير" فقال قائل: [ ص: 237 ]

وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير



18030 - قال أحمد: وقد روي هذا الشعر في حديث نافع، عن ابن شهاب، موصولا.

18031 - قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد ، فإن قال قائل: فلعل النبي صلى الله عليه وسلم حرق مال بني النضير ثم تركه؟ قيل: على معنى ما أنزل الله، وقد قطع وحرق بخيبر، وهي بعد بني النضير، وحرق الطائف، وهي آخر غزاة قاتل بها، وأمر أسامة بن زيد أن يحرق على أهل أبنى.

18032 - أخبرنا أبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا [ ص: 238 ] أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا بعض أصحابنا، عن عبد الله بن جعفر قال: سمعت ابن شهاب، يحدث عن عروة، عن أسامة بن زيد قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغير صباحا على أهل أبنا وأحرق".

18033 - قال أحمد: كذلك رواه صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، وكان أبو مسهر، يقول: نحن أعلم، وهي يبنا فلسطين.

18034 - أخبرنا أبو عبد الله، وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي قال: قال الأوزاعي : "أبو بكر كان أعلم بتأويل هذه الآية، وقد نهى عن ذلك وعمل به أئمة المسلمين".

18035 - قال الشافعي: ولعل أمر أبي بكر رضي الله عنه بأن يكفوا عن أن يقطعوا شجرا مثمرا، إنما هو لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين، فلما كان مباحا له أن يقطع ويترك اختار الترك نظرا للمسلمين [ ص: 239 ] .

18036 - وقد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني النضير، فلما أسرع في النخل قيل له: "قد وعدكها الله فلو استبقيتها لنفسك"، فكف عن القطع استبقاء، لا لأن القطع محرم، فقد قطع بخيبر، ثم قطع بالطائف.

18037 - وبهذا الإسناد قال: أخبرنا الشافعي، قال: قال أبو يوسف: حدثنا بعض أشياخنا، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، أنه قيل لمعاذ بن جبل: إن الروم يأخذون ما حسر من خيلنا فيستعجلونها ويقاتلون عليها، أفنعقر ما حسر من خيلنا؟ فقال: "لا، ليسوا بأهل أن ينتقصوا منكم، إنما هو غذاء رقيقكم وأهل ذمتكم".

18038 - قال: وقال أبو يوسف: حدثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال: لما بعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى طليحة وبني تميم قال: أيما واد أو دار غشيتها فأمسك عنها إن سمعت أذانا حتى تسألهم: "ما تريدون، وما تنقمون" وأيما دار غشيتها فلم تسمع فيها أذانا فشن عليهم الغارة واقتل وحرق.

18039 - قال أبو يوسف: ولا نرى أن أبا بكر نهى عن ذلك بالشام إلا لعلمه بأن المسلمين سيظهرون عليها ويبقى ذلك لهم [ ص: 240 ] .

18040 - قال أحمد: وقد ذكر أبو الأسود، عن عروة، وذكر موسى بن عقبة في المغازي، "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع كروم ثقيف حين حاصرهم بالطائف".

18041 - أخبرنا أبو سعيد، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: "وإذا تحصن العدو فلا بأس أن يرموا بالمجانيق، والعرادات، والنيران، وغيرها".

18042 - نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة، ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان.

18043 - وذكر في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه حديث الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، عن مكحول، أو غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف.

18044 - وحديث أبي عباد، عن ابن المبارك، عن موسى بن علي، عن أبيه، أن عمرو بن العاص "نصب المنجنيق على أهل الإسكندرية".

18045 - أخبرنا أبو عبد الله، وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي في "العدو يعلون الحصن بأطفال المسلمين يتترسون بهم" [ ص: 241 ] .

18046 - قال الأوزاعي : يكف المسلمون عن رميهم، فإن برز أحد منهم رموه، فإن الله تعالى يقول: ( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم ) حتى فرغ من الآية، فكيف يرمي المسلمون من لا يرونه من المشركين؟ ".

18047 - قال الشافعي: والذي تأول الأوزاعي يحتمل ما تأوله عليه، ويحتمل أن يكون كفه عنهم لما سبق في علمه من أنه سيسلم منهم طائفة طائعين.

18048 - والذي قال الأوزاعي أحب إلينا إذ لم يكن بنا ضرورة إلى قتال أهل الحصن.

18049 - ثم ساق الكلام إلى أن قال: ولكن لو اضطررنا إلى أن نخافهم على أنفسنا إن كففنا عن حربهم قاتلناهم ولم نعمد قتل المسلم، فإن أصبناه كفرناه.

[ ص: 242 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية