الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
10 - من ليس للإمام أن يغزو به بحال

[ ص: 132 ]

17677 - أخبرنا أبو سعيد، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله: " غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغزا معه بعض من يعرف نفاقه فانخذل عنه يوم أحد ثلاثمائة، ثم شهد معه يوم الخندق، فتكلموا بما حكى الله من قولهم: ( ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) .

17678 - ثم غزا بني المصطلق فشهدها معه منهم عدد، فتكلموا بما حكى الله من قولهم: ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) ، وغير ذلك مما حكى الله من نفاقهم.

17679 - ثم غزا غزوة تبوك، فشهدها معه منهم قوم نفروا ليلة العقبة ليقتلوه، فوقاه الله شرهم، وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته.

17680 - ثم أنزل الله عز وجل عليه غزاة تبوك أو منصرفه منها من أخبارهم، فقال: ( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم ) قرأ إلى قوله ( ويتولوا وهم فرحون ) فأظهر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أسرارهم وخبر السماعين لهم وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب والإرجاف والتخذيل لهم، فأخبر أنه كره انبعاثهم إذ كانوا على هذه إليه، فكان فيها ما دل على أن الله جل ثناؤه أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزو مع المسلمين؛ لأنه ضرر عليهم، ثم زاد في تأكيد بيان ذلك بقوله: ( فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ) قرأ إلى قوله: ( فاقعدوا مع الخالفين ) [ ص: 133 ] .

17681 - ثم بسط الكلام في ذلك إلى أن قال: ولما أنزل هذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخرج بهم أبدا وإذا حرم الله أن يخرج بهم فلا يسهم لهم لو شهدوا القتال، ولا رضخ، ولا شيء.

17682 - ثم ساق الكلام إلى أن قال: ومن كان من المشركين على خلاف هذه الصفة فكانت فيه منفعة للمسلمين فلا بأس أن يغزا به.

17683 - قال أحمد: قد روى مالك بن أنس، عن الفضيل بن أبي عبد الله، عن عبد الله بن نيار، عن عروة، عن عائشة قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر ، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال: يا رسول الله، جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تؤمن بالله ورسوله؟" قال: لا قال: "فارجع فلن أستعين بمشرك"، ثم مضى حتى إذا كانت الشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة قال: لا قال: "فارجع فلن أستعين بمشرك" قالت: فرجع ثم أدركه بالبيداء فقال له كما قال أول مرة: "تؤمن بالله ورسوله؟" قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فانطلق" [ ص: 134 ] أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس، أخبرنا ابن عبد الحكم، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس، فذكره وقد أخرجه مسلم من حديث ابن وهب وغيره، عن مالك.

17684 - أخبرنا أبو سعيد، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله: الذي روي مالك، كما روي "رد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركا أو مشركين في غزاة بدر ، وأبى أن يستعين إلا بمسلم"، ثم "استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر بسنين في غزوة خيبر بعدد من يهود بني قينقاع كانوا أشداء، واستعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين سنة ثمان بصفوان بن أمية وهو مشرك"، فالرد الأول إن كان بأن له الخيار فليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر، وإن كان رده لأنه لم ير أن يستعين بمشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بمشركين.

17685 - قال الشافعي: ولعله رده رجاء إسلامه، وذلك واسع للإمام، له أن يرد المشرك ويأذن له، وبسط الكلام فيه.

[ ص: 135 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية