الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
17575 - أخبرنا أبو عبد الله، وأبو بكر، وأبو زكريا، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن حرام بن سعد بن محيصة، أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا لقوم فأفسدت فيه، "فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الأموال حفظها بالنهار، وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها".

[ ص: 95 ] 17576 - وبهذا الإسناد قال: أخبرنا الشافعي، أخبرنا أيوب بن سويد، حدثنا الأوزاعي ، عن الزهري، عن حرام بن محيصة، عن البراء بن عازب، أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل من الأنصار فأفسدت فيه، "فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وعلى أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل".

17577 - وهكذا رواه أبو داود عن محمود بن خالد، عن الفريابي، عن الأوزاعي وكذلك رواه معاوية بن هشام، ومؤمل بن إسماعيل، عن الثوري، عن عبد الله بن عيسى، عن الزهري، موصولا يذكر البراء فيه.

17578 - وأخبرنا أبو إسحاق، أخبرنا أبو النضر، أخبرنا أبو جعفر، حدثنا المزني، حدثنا الشافعي، عن سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وحرام بن سعد بن محيصة، أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت، " فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الأموال حفظ أموالهم بالنهار، وعلى أهل الماشية ما أفسدت مواشيهم بالليل، أو قال: ما أصابت مواشيهم ".

17579 - قال الشافعي في رواية حرملة: رواه غير سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن حرام بن سعد بن محيصة، عن أبيه.

17580 - قال أحمد: رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن حرام بن محيصة، عن أبيه، "أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل المواشي حفظها بالليل، وعلى أهل الأموال حفظها بالنهار" [ ص: 96 ] أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أحمد بن علي المقري، عن الحسن بن عبد الأعلى البوسني: أخبرنا عبد الرزاق، فذكره.

17581 - وقد رواه أبو داود في كتاب السنن، عن أحمد بن محمد بن ثابت المروزي، عن عبد الرزاق، فقد صح وصل الحديث من هذين الوجهين، فالذين وصلوه ثقات، وانضم إليهما مرسل سعيد بن المسيب من حديث ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد، ومرسل أبي أمامة بن سهل بن حنيف من حديث ابن جريج ، عن الزهري، عن أبي أمامة، وهما من أكابر التابعين.

17582 - ورواه إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن ميسرة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن البراء بن عازب، موصولا.

17583 - وكان شريح القاضي يضمن ما أفسدت الغنم بالليل، ولا يضمن ما أفسدت بالنهار، ويتناول هذه الآية: ( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ) ، ويقول: كان النفش بالليل.

17584 - ولا يجوز دعوى النسخ في حديث البراء بحديث: "العجماء جبار" من غير تاريخ ولا سبب يدل على النسخ والحكم في الحديثين على ما قال صاحبنا رحمه الله، وهو فيما:

17585 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي رحمه الله: فأخذنا به، يعني بحديث البراء بن عازب، قضاء لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله، ولا يخالف هذا الحديث حديث: "العجماء جرحها جبار"، ولكن: "العجماء جرحها جبار" جملة من الكلام العام المخرج الذي [ ص: 97 ] يراد به الخاص، فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العجماء جرحها جبار"، وقضى فيما أفسدت العجماء بشيء في حال دون حال، دل ذلك على أن ما أصابت العجماء من جرح وغيره في حال جبار، وفي حال غير جبار.

17586 - وفي هذا دليل على أنه إذا كان على أهل العجماء حفظها ضمنوا ما أصابت، وإن لم يكن عليهم حفظها لم يضمنوا أشياء مما أصابت، فضمن أهل الماشية السائمة بالليل ما أصابت من زرع، ولا يضمنونه بالنهار، ويضمن القائد والراكب والسائر؛ لأن عليهم حفظها في تلك الحال، ولا يضمنون لو انفلتت، ثم بسط الكلام في ذكر نظائرها.

17587 - قال الشافعي في موضع آخر، فيما أنبأني أبو عبد الله إجازة بإسناده: وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من "الرجل جبار" فهو غلط، والله أعلم؛ لأن الحفاظ لم يحفظوا هكذا.

17588 - قال أحمد: الأمر فيه على ما قال الشافعي، وذاك لأن حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في "العجماء جبار" رواه مالك بن أنس، وابن جريج، والليث بن سعد، ومعمر، وعقيل، وسفيان بن عيينة وغيرهم، عن الزهري، فلم يذكر فيه أحد منهم "الرجل جبار" إلا سفيان بن حسين، فإنه رواه عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، حدثنا أحمد بن الحسين الصوفي، حدثنا داود بن رشيد، حدثنا عباد بن العوام، حدثنا سفيان بن حسين، فذكره [ ص: 98 ] .

17589 - قال أبو أحمد: لم يأت به عن الزهري، غير سفيان بن حسين فيما علمت.

17590 - وقال أبو الحسن الدارقطني الحافظ: فيما أخبرني أبو عبد الرحمن عنه: لم يتابع سفيان بن حسين على قوله: "الرجل جبار" أحد، وهو وهم؛ لأن الثقات خالفوه ولم يذكروا ذلك.

17591 - قال أحمد: وروي ذلك من وجه آخر، عن أبي هريرة، وهو وهم قاله الدارقطني فيما أخبرني أبو عبد الرحمن عنه.

17592 - قال أحمد: وإنما تعرف هذه اللفظة من حديث أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان، عن هزيل بن شرحبيل، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.

17593 - ورواه قيس بن الربيع موصولا بذكر ابن مسعود فيه، وقيس لا يحتج به، وأبو قيس أيضا غير قوي، فالله أعلم.

17594 - وقد روى أبو جزي نصر بن طريف، عن السري بن إسماعيل، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أوقف دابة في سبيل من سبل المسلمين، أو في أسواقهم، فأوطت بيد أو رجل فهو ضامن".

17595 - وهذا لا يصح، أبو جزي والسري ضعيفان.

[ ص: 99 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية