الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
16 - الغنيمة لمن شهد الوقعة

17767 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع بن سليمان، أخبرنا الشافعي رحمه الله قال: معلوم عند غير واحد ممن لقيت من أهل العلم بالردة، أن أبا بكر رضي الله عنه قال: "إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة".

17768 - وأخبرنا الثقة من أصحابنا، عن يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة بن الحجاج، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، أن عمر بن الخطاب قال: "إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة".

17769 - قال الشافعي: وبهذا نقول.

17770 - وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يثبت في معنى ما روى عن أبي بكر وعمر لا يحضرني حفظه.

17771 - قال أحمد: وإنما أراد، والله أعلم، ما [ ص: 162 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا بشر بن موسى، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الزهري ، أخبرني عنبسة بن سعيد بن العاص، عن أبي هريرة قال: " قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بخيبر بعدما فتحوها، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسهم لي من الغنيمة، فقال بعض بني سعيد بن العاص: لا تسهم له يا رسول الله، فقلت: يا رسول الله: هذا قاتل ابن قوقل، فقال ابن سعيد: يا عجبا لوبر قد تدلى علينا من قدوم ضال يعيرني على قتل رجل مسلم أكرمه الله على يدي، ولم يهني على يديه ".

17772 - قال سفيان: حدثنيه السعيدي أيضا، عن جده، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي.

17773 - واسم السعيدي عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص.

17774 - قال أحمد: ثم روينا عن خثيم بن عراك، عن أبيه، عن نفير، من بني غفار، عن أبي هريرة في قصة قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد فتح خيبر قال: وكلم المسلمين فأشركونا في سهمانهم.

17775 - وفي رواية أخرى عن خثيم، بإسناده قال: واستأذن الناس أن يقسم لنا من الغنائم، فأذنوا له، فقسم لنا.

17776 - وفي ذلك دلالة على أنهم لم يستحقوها حين كان قدومهم بعد تقضي الحرب حتى استأذن أصحابه في القسم لهم وقد [ ص: 163 ] أخبرنا أبو علي الروذباري، أخبرنا أبو بكر بن داسة، حدثنا أبو داود، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهري، أن عنبسة بن سعيد أخبره، أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد"، فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها، وإن حزم خيلهم ليف، فقال أبان: اقسم لنا يا رسول الله قال أبو هريرة: لا تقسم لهم يا رسول الله، فقال أبان: أنت بها يا وبر تحدد علينا من رأس ضال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجلس يا أبان"، "ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم".

17777 - قال البخاري : ويذكر عن الزبيدي، عن الزهري، فذكر هذا الحديث.

17778 - وهذا لأن سعيد بن عبد العزيز رواه عن الزهري بهذا المعنى، إلا أنه قال: عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وسعيد بن عبد العزيز من الثقات.

17779 - ويحتمل أن يكون الزهري رواه عنهما، ويحتمل أن يكون أبو هريرة وأبان بن سعيد قال كل واحد منهما لصاحبه: لا تقسم له يا رسول الله، فلم يقسم لأبان وقسم لأبي هريرة بإذن أصحابه كما روينا في حديث خثيم بن عراك، وعلى هذا الوجه كان قسمه لمن قدم عليه من الحبشة مع جعفر بن أبي طالب.

17780 - وفي بعض الروايات عن أبي موسى الأشعري في قصة جعفر قال: فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا، أو قال: أعطانا منها [ ص: 164 ] .

17781 - فيحتمل أنهم صادفوه قبل نقض الحرب، ويحتمل أن يكون أعطاهم من سهمه إن كان مجيئهم بعض مضي الحرب، أو سأل أصحابه أن يشركوه في مقاسمهم، فقد روي ذلك في حديث محمد بن إسحاق بن يسار.

17782 - واحتج بعض من أشرك المدد في الغنيمة، وإن لم يحضر الوقعة، بأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لعثمان بن عفان في غنائم بدر بسهم ولم يحضرها؛ لأنه كان غائبا في حاجة الله وحاجة رسوله صلى الله عليه وسلم، فجعله كمن حضرها، فكذلك كل من غاب عن الوقعة بشغل شغله به الإمام من أمور المسلمين.

17783 - وهذا الذي قاله هذا القائل يبطل بطلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نوفل، فإنهما كانا خرجا إلى الشام في تجارة لهما قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر ، وقدما بعدما رجع من بدر ، فكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم في سهمهما، فجعل لهما سهمهما، وفي نص الكتاب دلالة على أن غنائم بدر كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فكان يعطي منها من شاء.

17784 - وإنما نزلت الآية في تخميس الغنائم، وقسمها بين الغانمين بعد بدر .

17785 - وبعد نزول الآية لا نعلمه قسم لأحد لم يحضر الوقعة كما قسم لمن حضرها، وقد ذكره الشافعي في موضع آخر، وقام بحجته.

17786 - قال أحمد: والذي قاله هذا القائل يبطل أيضا بقصة أبان بن سعيد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعثه على سرية قبل نجد، فكان قد شغله بشغل من أمور المسلمين، ثم لم يقسم له ولا لأصحابه حين قدموا بعد انقضاء الحرب، وإن لم يكن خرج بالغنيمة من دار الحرب [ ص: 165 ] .

17787 - وعذر هذا القائل بأنه إنما لم يقسم لهم لأنه كان شغلهم بذلك قبل إرادته الخروج إلى خيبر يخالف قول صاحبه الذي ينصر قوله، فإنه جعل الغنيمة لكل من دخل دار الحرب مددا قبل أن يخرجوا بها إلى دار الإسلام .

17788 - ثم إن الله تعالى كان وعد رسوله صلى الله عليه وسلم فتح خيبر حين انصرف من الحديبية، فكان مريدا للخروج إليها بعدما قدم المدينة في ذي الحجة حين خرج إليها في المحرم.

17789 - وإنما بعث أبان بن سعيد قبيل خروجه .

17790 - ثم من الذي شرع لهذا القائل ما يشرع لنفسه حتى ترك به خبر أبي هريرة في قصة أبان بن سعيد، وترك ما روي عن أبي بكر وعمر في ذلك؟.

17791 - وقد احتج في ترك قسمة الأراضي بين الغانمين بفعل عمر، ولم يعتد بخلاف الزبير وبلال في جماعة من الصحابة إياهم في طلب القسمة، ومعهم خبر النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة خيبر وبين في قول عمر أنه كان يطلب استطابة قلوبهم لما رأى من المصلحة في وقفها.

17792 - ثم اعتد بخلاف عمار بن ياسر عمر في هذه المسألة حين جاء مدد لبني عطارد بعد الوقعة فقال: نحن شركاؤكم في الغنيمة، فكتب في ذلك إلى عمر فكتب: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة وليس مع عمار في ذلك خبر، ومع عمر ما ذكرنا من خبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق، وكتب عمر كتابا قطع بأنها لمن شهد الوقعة [ ص: 166 ] .

17793 - ويشبه أن لا يكون قطع بمثله من جهة الرأي ومعه ظاهر القرآن، حين أضاف الغنيمة إلى من غنمها، واقتطع منها الخمس لأهل الخمس، وإنما غنمها من شهد الوقعة فلا يكون لمن شهدها فيها نصيب إلا ما خصته السنة من رد السرية على الجيش، والجيش على السرية إذا كان كل واحد منها ردا لصاحبه، والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية