21 - جماع الوفاء بالعهد والنذر ونقضه
18718 - أخبرنا حدثنا أبو سعيد، أخبرنا أبو العباس، قال: قال الربيع رحمه الله: " جماع الشافعي في قول الله تبارك وتعالى: ( الوفاء بالنذر والعهد كان بيمين أو غيرها يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) ، وفي قوله: ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) وقد ذكر الله الوفاء بالعقود في الأيمان في غير آية من كتابه، فذكر تلك الآيات.
18719 - ثم قال: وهذا من سعة لسان العرب الذي خوطب به، فظاهره عام على كل عقد، ويشبه، والله أعلم، أن يكون الله أراد أن يوفى بكل عقد إذا كانت فيه لله طاعة، أو لم يكن له فيما أمر بالوفاء منها معصية.
18720 - واحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح قريشا بالحديبية على أن يرد من جاءه منهم، فأنزل الله عز وجل في امرأة جاءته مسلمة منهم: ( إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ) ، فحبسهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله.
18721 - وعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من المشركين فأنزل الله عليه فيه: ( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) .
18722 - فإن قال قائل: فكيف كان صلح النبي صلى الله عليه وسلم؟.
18723 - قيل: كان صلحه لهم طاعة لله: إما عن أمر الله بما صنع نصا، وإما أن يكون الله جعل له أن يعقد لمن رأى بما رأى، ثم أنزل الله قضاءه عليه [ ص: 426 ] فصار إلى قضاء الله، ونسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله بفعله بأمر الله، وكل كان لله طاعة في وقته.
18724 - ثم شبهه بأمر القبلة وما ورد فيه من النسخ ".
18725 - ثم ساق الكلام إلى أن قال: فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم تناهت فرائض الله فمن عمل منها بمنسوخ بعد علمه به فهو عاص، وعليه أن يرجع عن المعصية.
18726 - ثم ساق الكلام إلى الاستدلال بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" الأنصار وأخذوا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، فانفلتت الأنصارية على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، فنذرت إن نجاها الله عليها أن تنحرها، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم". وأسر المشركون امرأة من
18727 - قال لا نذر يوفى به. الشافعي:
18728 - ثم بسط الكلام في بيانه إلى أن قال: قال الله تبارك وتعالى في الأيمان: ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) [ ص: 427 ] .
18729 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه"، فاعلم أن طاعة الله أن لا تفي باليمين إذا كان غيرها خيرا منها، وأن تكفر بما فرض الله من الكفارة، وكل هذا يدل على أنه إنما يوفى بكل عقد نذر وعهد لمسلم أو مشرك كان مباحا لا معصية لله فيه.
18730 - وبهذا الإسناد قال: قال رحمه الله: قال الله جل ثناؤه: ( الشافعي وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ) .
18731 - قال نزلت في أهل هدنة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عنهم شيء استدل به على خيانتهم. الشافعي:
18732 - فإذا جاءت دلالة على أن لم يوف أهل الهدنة بجميع ما عاهدهم عليه فله أن ينبذ إليهم، ومن قلت له أن ينبذ إليه فعليه أن يلحقه بمأمنه، ثم له أن يحاربه كما يحارب من لا هدنة له ".
18733 - وبهذا الإسناد قال: قال "وإذا نقض الذين عقد الصلح عليهم، أو نقضت منهم جماعة بين أظهرهم، فلم يخالفوا الناقض بقول ولا فعل ظاهر" [ ص: 428 ] . الشافعي:
18734 - ثم ساق الكلام إلى أن قال: فللإمام أن يغزوهم، فإذا فعل فلم يخرج منهم إلى الإمام خارج مما فعله جماعتهم، فللإمام قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم.
18735 - وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة، عقد عليهم صاحبهم الصلح بالمهادنة فنقض ولم يفارقوه، فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقر دارهم، وهي معه بطرف المدينة، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وغنم أموالهم، وليس كلهم أسرف في المعونة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكن كلهم لزم حصنه ولم يفارق الغادرين منهم، ألا يفر فحقن دماءهم وأحرز عليهم أموالهم.
18736 - قال: وكذلك إن نقض رجل منهم فقاتل، كان للإمام قتل جماعتهم، قد أعان على خزاعة وهم في عقد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من قريش، فشهدوا قتالهم فغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم قريشا عام الفتح بغدر النفر الثلاثة، وترك الباقين معونة خزاعة، وأتو بهم من قبل لخزاعة.
18737 - قال وهذا الذي ذكره أحمد: من بعض من الشافعي بني قريظة، ومن أعان على نقض العهد من خزاعة من قريش، وقتال النبي صلى الله عليه وسلم الفريقين معروف مشهور فيما بين أهل السيرة، ونقلنا إلى كتاب السنن من الأخبار ما دل على ذلك وتاريخه، أن في حديث عبد الرحمن بن كعب، عن رجل من الصحابة، أن النبي صلى الله عليه وسلم عاهد بني قريظة.
18738 - ثم في حديث عن محمد بن إسحاق، يزيد بن رومان، عن وعن سائر شيوخه، أن عروة، حيى بن أخطب، ومن حزب الأحزاب معه، قدموا على قريش ودعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاؤوا بأبي سفيان والأحزاب عام الخندق، ثم خرج [ ص: 429 ] حيي بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، ولما نزل به حتى نقض كعب العهد وأظهر البراءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
18739 - وفي حديث قال: فاجتمع ملأهم الغدر على أمر رجل واحد غير أسد، موسى بن عقبة وأسيد، وثعلبة خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
18740 - وذكر قصة خروجهم أيضا ابن إسحاق.
18741 - وأخبرنا من أصله قال: أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أبو بكر القطان، حدثنا حدثنا أبو الأزهر، محمد بن شرحبيل، أخبرنا عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، نافع، أن يهود ابن عمر، بني النضير، وقريظة، حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم "فأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير وأقر قريظة ومن عليهم، حتى حاربت قريظة بعد ذلك فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين"، إلا بعضهم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنهم وأسلموا، "وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود المدينة بني قينقاع، وهم قوم عبد الله - يعني ابن سلام، ويهود بني حارثة، وكل يهودي بالمدينة " أخرجاه رحمهما الله في الصحيح. عن
18742 - وروينا في مغازي وغيره، أن موسى بن عقبة بني نفاثة، من بني الديل، أغاروا على بني كعب، وأعانت بنو بكر بني نفاثة، وأعانتهم قريش بالسلاح والرقيق.
18743 - وممن أعانهم من قريش: صفوان بن أمية، وشيبة بن عثمان، وسهيل بن عمرو، فخرج ركب من بني كعب، وكانوا في صلح النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له الذي أصابهم وما كان من قريش عليهم في ذلك، فجهز [ ص: 430 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج، فقال رضي الله عنه: لعلك تريد أبو بكر الصديق قريشا؟ قال: "نعم" قال: أليس بينك وبينهم مدة؟ قال: "ألم يبلغك ما صنعوا ببني كعب؟".
[ ص: 431 ]