الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                    إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة

                                                                                                                                                                    البوصيري - شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري

                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    [ 6319 ] قال أبو يعلى الموصلي : وثنا يحيى بن حجر بن النعمان السامي، ثنا محمد بن يعلى الكوفي، ثنا عمر بن صبح، عن ثور بن يزيد، عن مكحول، عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: "بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل من بني عامر وهو سيد قومه وكبيرهم (مدرههم) يتوكأ على عصا، فقام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ونسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جده فقال: يا ابن عبد المطلب، إني نبئت أنك تزعم أنك رسول الله إلى الناس، أرسلك بما أرسل به إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء، ألا وإنك (نبوت) بعظيم، إنما كان الأنبياء والملوك في بيتين من بني إسرائيل: بيت نبوة، وبيت ملك، فلا أنت من هؤلاء ولا من هؤلاء، إنما أنت من العرب ممن يعبد الحجارة والأوثان، فما لك والنبوة؟! ولكن لكل أمر حقيقة فائتني بحقيقة قولك، وبدء شأنك، قال: فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم مسألته، ثم قال: يا أخا بني عامر، إن للحديث الذي تسأل عنه نبأ ومجلسا فاجلس. فثنى رجله وبرك كما يبرك البعير، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا أخا بني عامر، إن حقيقة قولي وبدء شأني دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى ابن مريم، وإني كنت بكرا لأمي، وإنها حملتني كأثقل ما تحمل النساء، حتى جعلت تشتكي إلى صواحبها ثقل ما تجد، وإن أمي رأت في المنام أن الذي في بطنها نور، قالت: فجعلت أتبع بصري [ ص: 17 ] النور فجعل النور يسبق بصري حتى أضاء لي مشارق الأرض ومغاربها، ثم إنها ولدتني، فلما نشأت بغضت إلي الأوثان، وبغض إلي الشعر ، واسترضع لي في بني جشم بن بكر، فبينما أنا ذات يوم في بطن واد مع أتراب لي من الصبيان، إذا أنا برهط ثلاث معهم طست من ذهب ملآن نورا وثلجا فأخذوني من بين أصحابي، وانطلق أصحابي هرابا حتى إذا انتهوا إلى شفير الوادي أقبلوا على الرهط فقالوا: ما لكم ولهذا الغلام؟ إنه غلام ليس منا، وهو من بني سيد قريش، وهو مسترضع فينا من غلام يتيم ليس له أب، فماذا يرد عليكم قتله؟! ولكن إن كنتم لا بد فاعلين فاختاروا منا أينا شئتم، فليأتكم فاقتلونا مكانه، ودعوا هذا الغلام، فلم يجيبوهم، فلما رأوا الصبيان أن القوم لا يجيبونهم انطلقوا هرابا مسرعين إلى الحي يؤذنوهم لهم، ويستصرخونهم على القوم، فعمد إلي أحدهم فأضجعني إلى الأرض إضجاعا لطيفا، ثم شق ما بين صدري إلى منتهى عانتي، وأنا أنظر فلم أجد لذلك مسا، ثم أخرج أحشاء بطني، فغسله بذلك الثلج، فأنعم غسله، ثم أعادها في مكانها، ثم قام الثاني فقال لصاحبه: تنح. ثم أدخل يده في جوفي، فأخرج قلبي وأنا أنظر، فصدعه، فأخرج منه مضغة سوداء رمى بها، ثم قال بيده يمنة منه كأنه يتناول شيئا، ثم إذا بالخاتم في يده من نور - نور النبوة والحكمة - تخطف أبصار الناظرين دونه، فختم قلبي، فامتلأ نورا وحكمة، ثم أعاده مكانه، فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا، ثم قام الثالث فتنحى صاحبه فأصر يده بين ثديي ومنتهى عانتي، فالتأم ذلك الشق بإذن الله، ثم أخذ بيدي، فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا، ثم قال الأول الذي شق بطني: زنوه بعشرة من أمته. فوزنوني فرجحتهم. ثم قال: زنوه بمائة من أمته. فوزنوني فرجحتهم. ثم قال: زنوه بألف من أمته. فوزنوني فرجحتهم. قال: دعوه، فلو وزنتموه بأمته جميعا لرجح بهم. ثم قاموا إلي، فضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني، ثم قالوا: يا حبيب لم ترع، إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عينك. قال: فبينما نحن كذلك إذ أقبل الحي بحذافيرهم، وإذا ظئري أمام الحي تهتف بأعلى صوتها وهي تقول: يا ضعيفاه. قال: فأكبوا علي يقبلوني ويقولون: يا حبذا أنت من ضعيف. ثم قالت: يا وحيداه. قال: (فأكبوا علي وضموني إلى صدورهم وقالوا:) يا حبذا أنت من وحيد، ما أنت بوحيد، إن الله معك وملائكته والمؤمنون من أهل الأرض. ثم قالت: يا يتيماه! [ ص: 18 ] استضعفت من بين أصحابك فقتلت لضعفك. فأكبوا علي وضموني إلى صدورهم، وقبلوا رأسي وقالوا: يا حبذا أنت من يتيم، ما أكرمك على الله، لو تعلم ماذا يراد بك من الخير. قال: فوصلوا إلى شفير الوادي، فلما بصرت بي ظئري قالت: يا بني ألا أراك حيا بعد. فجاءت حتى أكبت علي فضمتني إلى صدرها، فوالذي نفسي بيده إني لفي حجرها قد ضمتني إليها وإن يدي لفي يد بعضهم، وظننت أن القوم يبصرونهم، فإذا هم لا يبصرونهم، فجاء بعض الحي فقال: هذا الغلام أصابه لمم أو طائف من الجن، فانطلقوا به إلى الكاهن ينظر إليه ويداويه. فقلت (له): يا هذا، ليس بي شيء مما تذكرون، أرى نفسي سليمة، وفؤادي صحيحا، وليس بي قلبة. فقال أبي - وهو زوج ظئري - : ألا ترون ابني كلامه صحيح؟ إني لأرجو ألا يكون بابني بأس. فاتفق القوم على أن يذهبوا بي إلى الكاهن، فاحتملوني حتى ذهبوا بي إليه، فقصوا عليه قصتي. فقال: اسكتوا حتى أسمع من الغلام، فإنه أعلم بأمره. فقصصت عليه أمري من أوله إلى آخره، فلما سمع مقالتي ضمني إلى صدره، ونادى بأعلى صوت: يا للعرب، اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه، فواللات والعزى لئن تركتموه ليبدلن دينكم، وليسفهن أحلامكم وأحلام آبائكم، وليخالفن أمركم، وليأتينكم بدين لم تسمعوا بمثله. قال: فانتزعني ظئري من يده قال: لأنت أعته منه وأجن، ولو علمت أن هذا يكون من قولك ما أتيتك به. ثم احتملوني وردوني إلى أهلي، فأصبحت معزى مما فعل بي، وأصبح أثر الشق، بين صدري إلى منتهى عانتي كأنه شراك، فذلك حقيقة قولي وبدء شأني. فقال العامري: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن أمرك حق فأنبئني بأشياء أسألك عنها. قال: سل عنك - وكان يقول للسائلين قبل ذلك: سل عما بدا لك، فقال يومئذ للعامري: سل عنك؛ فإنها لغة بني عامر فكلمه بما يعرف - فقال العامري: أخبرني يا ابن عبد المطلب ماذا يزيد في الشر؟ قال: التمادي. قال: فهل ينفع البر بعد الفجور؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم، التوبة تغسل الحوبة، وإن الحسنات يذهبن السيئات، وإذا ذكر العبد ربه في الرخاء أعانه عند البلاء. قال العامري: وكيف ذلك يا ابن عبد المطلب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذلك بأن الله يقول: لا أجمع لعبدي أمنين ولا أجمع له خوفين، إن هو أمنني في الدنيا أخافني يوم أجمع عبادي في حظيرة القدس، فيدوم له أمنه، ولا أمحقه فيمن أمحق، فقال العامري: يا ابن عبد المطلب إلام تدعو؟ قال: أدعو إلى عبادة الله وحده [ ص: 19 ] لا شريك له، وأن تخلع الأنداد، وتكفر باللات والعزى، وتقر بما جاء من الله من كتاب ورسول، وتصلي الصلوات الخمس بحقائقهن، وتصوم شهرا من السنة، وتؤدي زكاة مالك فيطهرك الله به، ويطيب لك مالك، وتقر بالبعث بعد الموت وبالجنة والنار. قال: يا ابن عبد المطلب، فإن أنا فعلت هذا فما لي؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وذلك جزاء من تزكى. قال: يا ابن عبد المطلب، هل مع هذا من الدنيا شيء؛ فإنه يعجبنا الوطأة في العيش؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم، النصر والتمكين في البلاد. قال: فأجاب العامري وأناب".

                                                                                                                                                                    هذا إسناد ضعيف؛ لضعف عمر بن صبح والراوي عنه محمد بن يعلى الكوفي.

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية