الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                    إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة

                                                                                                                                                                    البوصيري - شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري

                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    [ 6343 / 1 ] وقال أبو يعلى الموصلي : ثنا حوثرة بن أشرس، ثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن أبي راشد قال: "كان رسول قيصر جارا لي زمن يزيد بن معاوية فقلت له: أخبرني عن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل دحية الكلبي إلى قيصر، وكتب إليه معه كتابا يخيره بين إحدى ثلاث: إما أن يسلم وله ما في يديه من ملكه، وإما أن يؤدي الخراج، وإما أن يأذن بحرب. قال: فجمع قيصر بطارقته وقسيسيه في قصره وأغلق عليهم الباب وقال: إن محمدا كتب إلي يخيرني بين إحدى ثلاث: إما أن أسلم ولي ما في يدي من ملكي، وإما أن أؤدي الخراج، وإما أن أؤذن بحرب، وقد تجدون فيما تقرؤون من كتبكم أن سيملك ما تحت قدمي من ملكي، فنخروا نخرة حتى أن بعضهم خرجوا من برانسهم وقالوا: ترسل إلى رجل من العرب جاء في برديه ونعليه بالخراج؟ فقال: اسكتوا إنما أردت أعلم تمسككم بدينكم ورغبتكم فيه. ثم قال: ابتغوا لي رجلا من العرب. فجاؤوا بي فكتب معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتابا وقال لي: انظر ما سقط عنك من قوله فلا يسقط عنك ذكر الليل والنهار. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مع أصحابه وهم محتبون بحمائل سيوفهم حول بئر تبوك فقلت: أيكم محمد؟ فأومأ بيده إلى نفسه فدفعت إليه الكتاب فدفعه إلى رجل إلى جنبه فقلت: من هذا؟ فقالوا: معاوية بن أبي سفيان. فقرأه فإذا فيه: كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار إذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار؟ فكتبته عندي، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك رسول قوم فإن لك حقا ولكن جئتنا ونحن مرملون فقال عثمان: أكسوه حلة صفورية. فقال رجل من الأنصار: علي ضيافته. وقال لي قيصر فيما قال: انظر إلى ظهره فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أريد النظر إلى ظهره فألقى ثوبه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم في بعض كتفه فأقبلت عليه أقبله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني كتبت إلى النجاشي فأحرق كتابي والله محرقه، وكتبت إلى كسرى عظيم فارس [ ص: 38 ] فمزق كتابي والله ممزقه، وكتبت إلى قيصر فرفع كتابي فلا يزال الناس - فذكر كلمة - ما كان في العيش خير".

                                                                                                                                                                    [ 6343 / 2 ] رواه أحمد بن حنبل في مسنده: ثنا إسحاق بن عيسى، حدثني يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن أبي راشد قال: "لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص وكان جارا لي شيخا كبيرا قد بلغ الفند أو قرب فقلت: ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل؟ قال: بلى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فبعث دحية الكلبي إلى هرقل، فلما أن جاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قسيسي الروم وبطارقتها ثم غلق عليه وعليهم الدار فقال: قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم، وقد أرسل يدعوني إلى ثلاث خصال: إلى أن أتبعه على دينه، أو على أن نعطيه مالنا على أرضنا والأرض أرضنا، أو نلقي إليه الحرب، والله لقد عرفتم فيما تقرؤون من الكتب ليأخذن ما تحت قدمي؛ فهلم نتبعه على دينه أو نعطيه مالنا على أرضنا. فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من برانسهم وقالوا: تدعونا إلى أن نذر النصرانية، أو نكون عبيدا لأعرابي جاء من الحجاز؟! فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا عليه الروم رفاهم ولم يكد، قال: إنما قلت ذلك لكم لأعلم صلابتكم على أمركم. ثم دعا رجلا من عرب تجيب كان على نصارى العرب فقال: ادع لي رجلا حافظا للحديث عربي اللسان أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابي. فجاءني فدفع إلي كتابا فقال: اذهب بكتابي إلى هذا الرجل فما ضيعت من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال: انظر هل يذكر صحيفته التي كتب إلي بشيء، وانظر إذا قرأ كتابي فهل يذكر الليل، وانظر في ظهره هل به شيء يريبك. فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبيا على الماء فقلت: أين صاحبكم؟ قيل: ها هو ذا. فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه فناولته كتابي فوضعه في حجره، ثم قال: ممن أنت؟ فقلت: أنا أحد تنوخ قال: فهل لك في الإسلام الحنيفية ملة إبراهيم؟ قلت: إني رسول قوم وعلى دين قوم لا أرجع عنه [ ص: 39 ] حتى أرجع إليهم فضحك، وقال: ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) يا أخا تنوخ إني كتبت بكتاب إلى النجاشي فحرقها والله محرقه ومحرق ملكه، وكتبت إلى صاحبكم بصحيفة فأمسكها فلن يزل الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير. قلت: هذه إحدى الثلاث التي أوصاني بها صاحبي، وأخذت سهما من جعبتي فكتبتها في جلد سيفي، ثم إنه ناول الصحيفة رجلا عن يساره قلت: من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم؟ قالوا: معاوية. فإذا في كتاب صاحبي: يدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين فأين النار؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله! فأين الليل إذا جاء النهار؟ قال: وأخذت سهما من جعبتي فكتبته في جلد سيفي، فلما أن فرغ من قراءة كتابي فقال: إن لك حقا وإنك رسول فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها إنا سفر مرملون. قال: فناداه رجل من طائفة الناس: أنا أجوزه. ففتح رحله فإذا هو يأتي بحلة صفورية فوضعها في حجري قلت: من صاحب الجائزة؟ قيل لي: عثمان. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ينزل هذا الرجل؟ فقال فتى من الأنصار: أنا. فقام الأنصاري وقمت معه حتى إذا خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أخا تنوخ فأقبلت أهوي حتى كنت قائما في مجلسي الذي كنت بين يديه، فحل حبوته عن ظهره وقال: ها هنا امض لما أمرت به. فجلت في ظهره فإذا أنا بخاتم في موضع (غضون) الكتف مثل الحجمة الضخمة".

                                                                                                                                                                    [ 6343 / 3 ] قال عبد الله بن أحمد: حدثني أبو عامر حوثرة بن أشرس إملاء علي قال: أخبرني حماد بن سلمة ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم... فذكر نحوه.

                                                                                                                                                                    [ 6343 / 4 ] قال عبد الله: وثنا سريج بن يونس من كتابه، ثنا عباد بن عباد - يعني: المهلبي - ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعد بن أبي راشد مولى لآل معاوية قال: "قدمت الشام فقيل لي: في هذه الكنيسة رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فدخلت الكنيسة فإذا أنا بشيخ كبير فقلت له: أنت رسول قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: نعم. فقلت: حدثني عن ذلك..." فذكر نحوه ومعناه.

                                                                                                                                                                    من مسند أحمد . [ ص: 40 ]

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية