الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    [ 6905 ] وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "لما انصرفنا من الأحزاب عن الخندق، جمعت رجالا من قريش كانوا يرون رأيي ويسمعون مني، فقلت لهم: والله إني لأرى رأي محمد صلى الله عليه وسلم يعلو الأمور علوا منكرا، وإني قد رأيت رأيا فما ترون فيه؟ قالوا: وما الذي رأيت؟ قلت: رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون معه، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي، فإما أن نكون تحت يده أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا فلم يأتنا منهم إلا خير.

                                                                                                                                                                    قالوا: إن هذا الرأي! قلت: فاجمعوا له ما يهدى له - وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم - فجمعنا له أدما كثيرا، ثم خرجنا نمشي حتى قدمنا عليه، فوالله إنا لعنده إذ جاء عمرو بن أمية الضمري وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه، قال: فدخل عليه ثم خرج من عنده.

                                                                                                                                                                    قال: فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية، فلو قد دخلت على النجاشي فسألته إياه فأعطانيه فضربت عنقه، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع، فقال: مرحبا بصديقي أهديت إلي من بلادك شيئا؟ قلت: نعم، أهديت لك أدما كثيرا، ثم قربته إليه فأعجبه واشتهاه، ثم قلت: أيها الملك، قد رأيت رجلا خرج من عندك وهو رسول عدونا، فأعطنيه؛ لأقتله؛ فإنه أصاب من أشرافنا وعزتنا.

                                                                                                                                                                    قال: فغضب، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسرها، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها؛ خوفا منه، ثم قلت له: أيها الملك، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه.

                                                                                                                                                                    قال: سألتني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى فتقتله! قال: قلت: أيها الملك، أكذاك هو؟ قال: ويحك يا عمرو! أطعني واتبعه؛ فإنه والله على الحق، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على [ ص: 300 ] فرعون وجنوده.

                                                                                                                                                                    قال: قلت: أتبايعني له على الإسلام؟ قال: نعم، فبسط يده فبايعته على الإسلام، ثم خرجت على أصحابي وقد حال رأيي عن ما كان عليه، فكتمت أصحابي إسلامي، ثم خرجت عائدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي، فلقيت خالد بن الوليد - وذلك قبل الفتح - وهو مقبل من مكة فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: والله استقام الميسم، وإن الرجل لنبي، اذهب والله أسلم، حتى متى؟! قال: قلت: فأنا والله ما جئت إلا للإسلام.

                                                                                                                                                                    فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وتابع وبايع، ثم دنوت فقلت: يا رسول الله، إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولا أذكر ما تأخر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمرو، بايع فإن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها، قال: فبايعته، ثم انصرفت.

                                                                                                                                                                    قال ابن إسحاق: فحدثني من لا أتهم أن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة كان أسلم حين أسلما".


                                                                                                                                                                    رواه الحارث بن أبي أسامة واللفظ له، وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                                                                    هكذا وقع في المسندين أن إسلام عمرو بن العاص كان على يدي النجاشي، ووقع في مسند أبي يعلى الموصلي من حديث عمرو بن العاص إسلامه كان على يدي جعفر بن أبي طالب، وتقدم بتمامه في كتاب الهجرة.

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية